باري إيشنغرين
أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي
يصادف هذا الشهر مرور عشرين عاما على الأزمة المالية الآسيوية ــ أو بعبارة أكثر دقة، الحدث الذي أشعل شرارة الأزمة: خفض قيمة عملة تايلاند البات. وبرغم أن مثل هذه المناسبات ليست سببا للاحتفال بالتحديد، فإنها تقدم لنا في الأقل الفرصة للنظر إلى الماضي ودراسة ما تغير ــ ولا يقل أهمية عن ذلك، ما لم يتغير.
كانت أسباب الأزمة محل خلاف في ذلك الوقت، وما تزال موضع نزاع حتى يومنا هذا. فقد ألقى مراقبون غربيون اللوم على افتقار الدول الآسيوية إلى الشفافية وعلى العلاقات الوثيقة بين الشركات والحكومات ــ أو ما أطلقوا عليه وصف «رأسمالية المحسوبية». ومن جانبهم، ألقى المعلقون الآسيويون اللائمة على صناديق التحوط بوصفها سببا لزعزعة استقرار الأسواق المالية الإقليمية، وصندوق النقد الدولي لأنه وصف مسارا علاجيا كاد ان يقتل المريض.
لا تخلو كل من وجهتي النظر من مصداقية. فقد بالغت الميزانية العمومية التي نشرها بنك تايلند إلى حد كبير في تقدير الاحتياطيات المتاحة من النقد الأجنبي ــ وهو مثال غير ساطع على الإطلاق للشفافية المالية. فقد راهن المضاربون الأجانب بقوة ضد البات، ولم تشمل قائمة البائعين على المكشوف صناديق التحوط فحسب، بل وشملت أيضا بنوكا استثمارية، بما في ذلك أحد البنوك الذي كان يقدم المشورة في الوقت نفسه لحكومة تايلاند حول كيفية الدفاع عن عملتها. كما أخطأ صندوق النقد الدولي في مشورته التي قدمها للدول الآسيوية حول كيفية إدارة الأزمة ــ وليس للمرة الأخيرة ــ عندما أوصى بقدر مفرط من التقشف المالي.
على مستوى أكثر جوهرية، عكست الأزمة عدم التوافق بين النمو التاريخي في آسيا وظروفها الراهنة. فقد أكد ذلك الانموذج على أسعار الصرف المستقرة، التي عدت ضرورية لتوسيع الصادرات. كما أكد على الاستثمار ــ على الرغم من الكثير الذي كان مطلوبا لتحقيق النمو بنسبة تتجاوز خانة الآحاد إلى خانة العشرات. وشجع هذا الانموذج الاقتراض من الخارج وفقا للحاجة إلى تمويل المستوى الأساسي من تكوين رأس المال.
ولكن بحلول عام 1997، كانت اقتصادات جنوب شرق آسيا بلغت مرحلة من التنمية حيث لم تعد الاستثمارات القوية وحدها كافية لدعم معدلات نمو مرتفعة. وفي الاعتماد على الاقتراض الأجنبي، أهملت نماذج النمو في هذه الدول المخاطر.
في الوقت نفسه، تسببت قوى خارجية في تعقيد المشكلة. كان قبول كوريا الجنوبية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مشروطا بتفكيك حكومتها لضوابط رأس المال، الأمر الذي عرض الاقتصاد لتدفقات من «الأموال الساخنة» القصيرة الأجل. وفي عموم الأمر، استشعرت الدول الضغوط من قِبَل صندوق النقد الدولي والخزانة الأميركية لحملها على إزالة القيود المفروضة على تدفق رؤوس الأموال، الأمر الذي أدى إلى تضخيم المخاطر وزاد من التعقيدات المحيطة بالإبقاء على ربط أسعار الصرف.
يُبرِز هذا الوصف للأزمة كم التغيرات التي طرأت على مدار السنوات العشرين التالية.
فبادئ ذي بدء، خفضت دول الأزمة معدلات استثماراتها وتوقعات نموها على مراحل إلى مستويات مستدامة. وما تزال الحكومات الآسيوية تؤكد على النمو، ولكن ليس بأي ثمن.
ثانيا، أصبح لدى دول جنوب شرق آسيا الآن أسعار صرف أكثر مرونة. صحيح أنها جميعا ليست مرنة تماما، بكل تأكيد، ولكن حكومات المنطقة تخلت في الأقل عن الربط الجامد بالدولار والذي كان مصدرا لهذا الضعف في عام 1997.
ثالثا، نجحت دول مثل تايلاند، التي كانت تعاني من عجز خارجي ضخم، والذي زاد من اعتمادها على التمويل الأجنبي، في تكوين فوائض. وقد ساعدتها هذه الفوائض في تكديس احتياطيات من النقد الأجنبي، والتي خدمت كشكل من أشكال التأمين.
رابعا، تعمل الدول الآسيوية الآن معا على توفير الحماية لنفسها. في عام 2000، في أعقاب الأزمة، أنشأت دول المنطقة مبادرة شيانج ماي، وهي شبكة إقليمية من الائتمان والمقايضات المالية. والآن أصبح لديها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية لإضفاء الطابع الإقليمي على توفير تمويل جهود التنمية أيضا.
ومن الممكن فهم هذه المبادرات على أنها ردة فعل لتجربة آسيا التعيسة مع صندوق النقد الدولي. وعلى نحو أكثر جوهرية، تعكس هذه المبادرات ظهور الصين على الساحة. في عام 1997، لم تكن الصين غير الواثقة من دورها الإقليمي داعما قويا لخطة اليابان لإنشاء صندوق نقد آسيوي. وفي نهاية المطاف، كان افتقار الاقتراح إلى الدعم سببا في صرف النظر عنه.
في وقت لاحق، ساعد نمو ثقة الصين في نفسها وزعامتها في تمكينها من قيادة عملية بناء المؤسسات الإقليمية والتعاون الإقليمي. وكان هذا التغيير، الذي حدث على خلفية عشرين عاما من النمو الصيني القوي، التغيير الأشد تأثيرا على آسيا منذ اندلاع الأزمة.
ولكن إذا كان ظهور الصين يدل على حجم التغير الذي حدث، فإنه يذكرنا أيضا بالكثير الذي يظل على حاله. فالصين ما تزال متمسكة بانموذج يعطي الأولوية لمعدل نمو مستهدف، وما تزال تعتمد على معدلات استثمار عالية لتحقيق ذلك الهدف. وتحتفظ الحكومة بمخصصات السيولة على أي مستوى مطلوب للإبقاء على دوران المحرك الاقتصادي، على نحو يذكرنا بنحو خطير بما فعلته تايلاند قبل أزمتها.
ولأن الحكومة الصينية خففت القيود المفروضة على الاقتراض من الخارج بوتيرة أسرع من أن يمكن عدها حذرة، فقد تراكم على الشركات الصينية التي تتمتع بروابط قوية مع الحكومة مستويات عالية من الديون الخارجية. وما تزال الحكومة الصينية عازفة عن تعويم العملة، وهو الأمر الذي كان ليثبط إقبال الشركات الصينية على تكديس مثل هذه الالتزامات الضخمة المقومة بعملات أجنبية.
الآن أصبحت الصين عند النقطة نفسها التي كانت عندها جاراتها من دول جنوب شرق آسيا قبل عشرين عاما: فمثلها كمثل تلك الدول، تجاوزت الصين حجم انموذج نموها الموروث. ولا نملك غير الأمل في أن يكون قادة الصين اهتموا بدراسة الأزمة الآسيوية بترو. وإلا فإنهم من المحتم أن يكرروها.
آسيا والذكرى السنوية الحزينة
التعليقات مغلقة