جمال جصاني*
مرة اخرى نقف بمواجهة المهمة الغائبة، والتي كلفنا الفرار منها كماً هائلاً من الهزائم والفشل على شتى الحقول والمستويات، مهمة التسوية التاريخية بين من يفترض بهم انهم شركاء في هذه المستوطنة القديمة. دورة الانتخابات النيابية الثالثة انتهت، بعد ان صوت فيها ما يقارب الـ 60% ممن يحق لهم الاقتراع فيها، وهي بالرغم من العيوب والنواقص البنيوية التي رافقتها، واشرنا اليها مراراً في مقالات سابقة، الا انها تمثل الخيار الوحيد للوصول الى حلول ومشاريع تنقذ هذا البلد من سيل المخاطر المتربصة بحاضره ومستقبله.
في الدورتين السابقتين لم يصغ من وصل عبر الصناديق الى السلطة الاولى (مجلس النواب) للنداءات المختلفة التي دعتهم لسماع صوت العقل والضمير والحكمة في انتهاج السبيل المجرب الذي طرقته الدول والمجتمعات وحققت من خلاله أمناً واستقراراً وازدهاراً، عبر التسويات الشجاعة والمصالحة الحقيقية لا الممسوخة والتي بانت ملامحها القبيحة وحصادها المر بعد أكثر من عقد على حقبة «التغيير». ما شاهدناه جميعاً وبعيداً عن ركام المساحيق الغليظة وفجاجة التزويق التي أدمن عليها البعض من قوارض العهد الجديد، لا يمت بصلة لا للمصالحة ولا للمشاركة وبقية المفردات التي ارتفع صيتها مؤخراً، وكل ذلك العجاج لم يكن بمقدوره اخفاء المآرب الحقيقية التي تقف وراء تلك الفزعات الممثلة للضد النوعي للتسوية والتقارب الجمعي، الا وهي روح الهيمنة واخضاع الآخر. هذا الاصرار الأهوج على سلوك درب الهيمنة وبناء سلطة الطوائف والمكونات والترويج لثقافة الهويات القاتلة، في بلد يمتلك امكانات هائلة من الرزق الريعي، يعني اننا سنواجه مصيراً تكون التجربة اللبنانية امامه مجرد مزحة، خاصة مع قيم وتقاليد طلول ما قبل الدولة المزدهرة اليوم في المشهد الراهن.
كما لابد من الاشارة الى ان ما تتمخض عنه الصناديق، في هذا الظرف الاستثنائي الذي نعيشه في هذا الوطن المنكوب، لا يمثل التطلعات السليمة والواعية والمتوازنة لسكانه، فلا يخفى عليكم طبيعة المناخات والشروط والدوافع التي تجعل من هذا الكرنفال موسماً للاندفاعات الجمعية البعيدة عن الخيار الفردي الحر والمستقل. خاصة وان الارقام تشير الا ان عنفوان وحماسة الاندفاع يتركز في الاطراف والارياف والملايين التي لاتجيد (فك الحرف) كما يقول الأسلاف..!