جمال جصاني*
دورة ثالثة من الانتخابات البرلمانية انتهت، بعد أن صوت ملايين العراقيين لانتخاب مجلس نواب جديد، يحل مكان ذلك المجلس الذي احتل موقعاً متقدماً كأحد ابرز البرلمانات الفاشلة في تاريخ التجارب الديمقراطية الحديثة. وضمن الشروط والمناخات السائدة في البلد، لا يمكن لنا ان نتوقع تطوراً جذرياً على مستوى الملامح الاساسية للبرلمان المقبل. لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود بدايات لمشروع تحول بطيء ومتعثر نشاهد ارهاصاته في حجم الخيبة واليأس ، لدى شرائح واسعة من المجتمع من قدرة الكيانات والكتل المهيمنة على ادارة الدولة والمجتمع. كما ان هشاشة البدائل المطروحة في المشهد الراهن، تعكس بدورها حقيقة الامكانات المتواضعة لمجتمع انهكته احدى ابشع التجارب التوليتارية في التاريخ السياسي الحديث للمنطقة والعالم.
وبالرغم من الاوضاع غير الطبيعية وارتفاع مستوى الاحتقان والتوتر لا بين المشاركين بالعملية السياسية التي انطلقت ربيع عام 2003 وأعدائها من جماعات الارهاب والجريمة المنظمة وفلول النظام المباد وحسب، بل بين ابرز ممثلي وعرابي تلك العملية؛ الا ان تمسك السواد الأعظم من سكان هذا البلد بهذا الخيار في اعادة بناء الدولة (الاقتراع الحر والمستقل) أصبح أمراً لا بديل عنه. كما ان استعمال التقنيات الحديثة وخاصة البطاقة الالكترونية أسهم كثيراً في تيسير مهمة التصويت أمام الملايين من المقترعين من شتى المستويات الثقافية والاجتماعية. طبعاً أبت كثبان الموروثات المتخلفة وثقافة الوصاية وروح القطيع، ان تترك أجواء الانتخابات من دون صخب وضجيج، انعش ما كان مترسباً في الذاكرة عن مهرجانات البيعة لذلك المخلوق الذي انتشل مذعوراً من جحره الأخير، حيث رافق وقت الاقتراع، والذي يحظر فيه وقبله باربعة وعشرين ساعة الدعاية الانتخابية (الصمت الانتخابي) عدد من الخروقات البعيدة عن روح وثقافة هذه المناسبات المصيرية والمحطات الحاسمة في تاريخ الشعوب والامم. لقد شهدنا عند غير القليل من المتابرين في هذا السباق الانتخابي، كماً هائلاً من الادعاءات بتحقيق التغيير المنشود، وهي حماسة بعيدة عن الواقع وامكاناته الذاتية والموضوعية، غير ان البدايات المتواضعة التي اشرنا اليها، يمكن ان تساعد على اعداد الخميرة المقبلة للبدائل الوطنية والديمقراطية التي بمقدورها انتشال مشحوفنا المشترك من الانزلاق الى سيناريوهات التشرذم والتقسيم ومشاريع ما قبل الدولة الحديثة.