عامر القيسي*
جاري السابق أبو محمد يعتقد واهماً انني المسؤول عن كل بلاوي البلاد، وبرغم البعد الجغرافي الذي بيني وبينه مؤخراً، ما زال يهاتفني بالصغيرة والكبيرة ليستأنس برأيي، وهو لا يعلم أنني في مرحلة التشكيك والشك بكل شيء، وآخر أسئلته “وين الأفنديه ؟”.. فأجأني بالسؤال عبر الهاتف فإستغربت واجبته بسؤال “أي أفنديه أبو محمد”؟ قال غاضباً “جماعتكم”.. وملخص المكالمة وإحتجاجات أبو محمد، انه يسأل عن المرشحين الذين في موقع المسؤولية الآن في البرلمان والحكومة، الذين ملأوا الأرض حضوراً وصراخاً ووعوداً حتى الساعات الأخيرة قبل السابعة صباحاً من يوم الإقتراع ..
لقد “تبّخروا” بعد الثلاثين من نيسان ..
وصب أبو محمد جام غضبه على رأسي وصرخ “كلنالكم بس بالإنتخابات” شارحاً وجهة نظره السابقة من أنه لا يرى مسؤولاً وجهاً لوجه إلا قبل الإنتخابات بأيام، نراهم مرّة بملابس فلاح وأخرى ببدلة عامل ويخوضون في مستنقعات الأحياء الفقيرة .. يزورون العشوائيات يوزعون الوعود والتهديدات .. يبتسمون بملء أشداقهم .. يقبلون الأطفال ويربتون على آلامهم .. يستمعون جيداً لمصائب الناس .. يوزعون الهدايا وكارتات الموبايل والأراضي في هذه البلاد الشاسعة .. يجلبون السعادة من الظلام والمستقبل المجهول .. وينصبون الولائم. تراهم ينتشرون في القرى والأرياف وتطالعنا “بوزاتهم” السينمائية في كل شارع وزقاق وإحتلوا زمن الفضائيات ومساحات الجرائد مبشّرين بالخير الوفير والخلاص الأبدي على أياديهم المباركة وأفكارهم المبتكرة ..
الأفندية كانوا في كل مكان ثم إختفوا بقدرة قادر عائدين خلف مكاتبهم الوثيرة تاركين للفقراء، بكرم حاتمي، الحديد والخشب والملصقات التي صرفوا عليها الملايين (حسب خبير إقتصادي فان الحديد والخشب الذي أستخدم في الدعايات الإنتخابية كان كافياً لحاجة ثلاثة مجمعات سكنية سعة المجمع ثلاثة آلاف وحدة سكنية) وهذه واحدة من مآثرهم التي لن تنساها الأجيال لهم أبداً !!
إختفى الأفندية من مسرح الناس والفقراء والمحتاجين، وتلاشت أصوات الوعود تاركة المجال لأصوات صراعات العد والفرز وإستنتاجات حصاد الإنتخابات وترشيحات المناصب المبكرة جداً !!
قال لي أبو محمد وأنا أستمع الى طقطقات مسبحته من الهاتف “بغداد راح تغرق، شفت واحد من الأفندية ويه الناس .. شفت واحد شايل كيس رمل لو تراب يمنع الماي الجاي علينا .. شفت واحد راح للعوائل اللي هجرها الماي” .. وإنفتح الرجل من دون توقف وأنا أستمع اليه كالعادة، أهديء من غضبه وأحاول ان أوضح له ان هذا الأمر لا علاقة له بإنتخابات الأفندية، لكن أبو محمد صرخ غاضباً ومحتجاً “لعد منو اله علاقة الله يخليك”؟
أبو محمد من النوع الذي يحب الجلوس في المقهى ويزور أصدقاءه من المتقاعدين ويقف ساعات أمام باب بيته، الذي يدفع كل تقاعده ايجاراً له، يحادث عمال النظافة وبائع الغاز والعتاكة والأطفال الذين يبحثون في النفايات عن العلب الفارغة والمصادفة المحتملة ..
عندما يصرخ أبو محمد بوجهي متلعثماً بالكلام أدرك تماماً، ان الرأي ليس رأيه وحده وان الغضب من الأفندية يتمشى في الأزقة والمقاهي وبيوت الفقراء !!