التحديات القانونية والأخلاقية في الذكاء الاصطناعي

د. سعد حمزة ناصح
المقدمة
يعد الذكاء الاصطناعي
من أهم التطورات التكنولوجية التي أثرت على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك المجالات القانونية. ومع تطور تطبيقاته في المجالات التجارية، الطبية، والصناعية، تبرز تحديات قانونية وأخلاقية تتطلب تنظيمًا قانونيًا دقيقًا لضمان التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق. ويُثير الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول المسؤولية القانونية، التعاقدات الإلكترونية، وحماية البيانات، مما يتطلب دراسة مدى توافق القانون المدني العراقي مع هذه التطورات.
أولًا: المسؤولية القانونية عن أفعال الذكاء الاصطناعي:
يُثير الذكاء الاصطناعي إشكالية تحديد المسؤولية عند وقوع أضرار نتيجة قراراته، إذ أن القانون المدني العراقي يعتمد في المسؤولية على أركان الخطأ والضرر والعلاقة السببية. تنص المادة (202) من القانون المدني العراقي على أن “كل تعد يصيب الإنسان في حياته أو صحته أو شرفه أو ماله يلزم مرتكبه الضمان”، مما يطرح تساؤلًا حول ما إذا كان يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي “مرتكبًا” للضرر، أم أن المسؤولية تقع على مستخدمه أو مطوره.
وفي حالة حدوث ضرر بسبب نظام ذكاء اصطناعي مستقل، قد يتم تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية وفقًا للمادة (204) التي تنص على أن “كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بالضمان”، مما قد يشير إلى إمكانية تحميل المبرمج أو الشركة المطورة المسؤولية، بغض النظر عن القصد أو الإدراك.
ثانيًا: التحديات في العقود الذكية والتعاقدات الإلكترونية
أصبحت العقود الذكية التي تعتمد على تقنية البلوكشين والذكاء الاصطناعي شائعة، مما يثير تساؤلات حول صحة هذه العقود في ضوء القانون المدني العراقي. وفقًا للمادة (73) من القانون المدني، فإن “العقد هو ارتباط الإيجاب بالقبول”، ولكن في العقود الذكية يتم تنفيذ الالتزامات تلقائيًا دون تدخل بشري مباشر. وهذا قد يطرح إشكاليات تتعلق بإرادة الأطراف، وإمكانية التعديل أو الإلغاء، ومدى الاعتراف القانوني بهذه العقود.
ثالثًا: حماية البيانات الشخصية والخصوصية
تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي كميات ضخمة من البيانات، مما يطرح مخاوف تتعلق بالخصوصية. وعلى الرغم من عدم وجود تشريع عراقي خاص بحماية البيانات الشخصية، إلا أنه يمكن الاستناد إلى المبادئ العامة في القانون المدني، مثل المادة (231) التي تحمي الحقوق الشخصية من أي اعتداء غير مشروع، وهو ما يمكن الاستناد إليه في حالات إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي للبيانات الشخصية.