المحامي وجدان حسين المعموري
يختص المحقق الاداري في البحث والتحقق من وجود مخالفة منسوبة للموظف لم ترد على سبيل الحصر، حيث لا وجود هنا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، والعلة في ذلك هي انعدام إمكانية حصر هذه المخالفات بما يحقق العدل في الوظيفة العامة. ورسم قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14لسنة1991المعدل مجموعة من القواعد القانونية العمومية، حصر من خلالها المخالفات الإدارية حصرا عموميا مجردا. وأعرّف أنا التحقيق الاداري: بأنه حزمة الاجراءات والوسائل القانونية واجبة الاتباع لنيل الحقيقة التي تنشدها الإدارة والمحققون، ويحاول المخالفون أحيانا اخفاؤها للتحلل من توقيع الجزاء التأديبي. ولم يعد التحقيق الاداري ولم يكن ابدا مهمة مسرحية يمارس بها المحققون ومن خلالها ظلم الآخرين أو إنزال الجور بهم، فللمخالفين ذات الضمانات المندرجة في القوانين الجنائية، حيث سكتت التشريعات التحقيقية الإدارية عن ذلك، ومهمة المحققين كانت ومازالت علما حيا فعالا ومتجددا سخرت وتسخر كل ما توصل اليه الانسان من تقنية لمجابهة شرور النفس ونوازعها ومضطربات زواياها الخطرة، ومعشوقاتها ومرغوباتها المؤثرة سلبا في حياة الجماعة التي تنتمي اليها، في ذات الوقت الذي تجابه به محظوراتها، والمحقق الاداري انسان ككل البشر قد يكره وقد يحب دون سابق انذار أو دون سبب مسبق، وقد يشكل فكرة خاطئة، أو مغالى بها وغير مناسبة في واقعة معينة تدفع به الى الزلل والخطأ والظلم والابتعاد عن الحقيقة لا بل، ومجافاتها، أحيانا، لدوافع عمدية وغير عمدية، يسوقه لها ويجملها له هواه وسجيته وتأثره السالف وعوامل معينة أخرى، ولعل واحدة من أفضع ما يرتكبه المحققون الاداريون هي أنهم يشتغلون بمعتقداتهم الشخصية وبما كونوه من رأي لا علاقة له بتحصيلات الواقعة التي يحققون بها، حيث المؤسسة الواحدة وتوارد الاخبار والاشاعات وتواتر بعضها والطابور الخامس الاداري الذي لاهم له إلا تخريب الرأي العام في مؤسسته، والتشويش عليه، فعليهم أن يتبرأوا ويطهروا ذواتهم وعقولهم وأرواحهم، من كل الأدران التي قد تؤثر في سير تحقيقاتهم، ولعل من الآفات التي، يتجنون بها تكوينهم لفكرة سابقة عن واقعة بعينها، وبالتالي، فالمحقق، سيلعب دورا خطيرا في توجيه التحقيقات، ومنها شهادات الشهود مثلا عن طريق مباشر أو إيحائي، لتتناغى مع فكرته المتشكلة سلفا، وبالنتيجة، التلاعب بقرار السلطة الإدارية المخولة بالمصادقة على التوصيات، الأمر الذي لا يحقق العدل والعدالة ويعد تشويها للحقيقة التي أغمطها المحقق، بسلوكه اللا مهني، وقد يذهب المحقق مذهبا كهذا في التحقيقات المعقدة والتي تفوق قدراته ومدركاته القانونية والفنية، وقضايا من هذا النوع، تكون فيها الأدلة والبراهين، مختفيه أو مخفيه وضبابيه، لأسباب، قد تعود لضعف المحقق ،أو ذكاء الخاضعين للتحقيق الاداري، أو فنية المعلومات والأدلة والبراهين وخصوصيتها وتخصصها في حقل يجهل المحقق عنه كل شيء، مع ملاحظة أن( المتيسر)من وسائل الاثبات في الوظيفة العامة، عمليا غير تلك التي يمارسها القضاء، لأسباب لامجال لذكرها الآن، وقد يمارس الشهود ومن يتم تدوين أقوالهم دورا سلبيا في نفس وعقل المحقق، إن لم يكن المحقق، ذكيا ومتمكنا في صنعته، فيعمدون الى العبث في تحصيلاته التحقيقية، في الواقعة الإدارية ومن ثم التلاعب بقرار السلطة الإدارية، الأمر الذي يؤثر سلبا في مصلحة الفرد والجماعة على حد سواء، إضافة لوجوب تحرز المحقق من الوقوع في خطأ (افتراض الصواب)لديه دون غيره ممن لهم دالة على الأوراق التحقيقية، الأمر الذي سيجعله أبعد مما يجب أن يكون عليه وعن التعمق في تحقيقاته، والغوص في تحليل ودراسة القرائن والأدلة المتحصلة أو التي هي قيد التحصيل، وعلى المحقق البراءة من أمراض النفس وإرهاصاتها وتجاربها المريرة وآثارها، ليكون أكثر أنصافا وعدالة وليساهم في رسم صورة انسانية واقعية وحقيقية للواقعة القانونية، ويكون له ذات الدور القانوني الانساني، الذي من أجله وجدت هذه المهمة الاخلاقية التي لا يمكن للإدارة أن تحقق غاياتها في حماية الوظيفة العامة والمال العام بدونها ولا يمكن استمرار سير المرفق العام بانتظام واضطراد دون اللجوء اليها كلما دعت الحاجة لذلك، وأخيرا نقول: إن تفعيل دور المحقق الاداري وتركه ليعمل بحريه وبموجب القانون بعيدا عن ضغوط الإدارة سيحقق العدالة المنشودة، ويخفف الضغط على المؤسسة القضائية في حالات كثيرة