أفضل مليون كتاب في التنمية الذاتية

يعرب عيسى

لست متأكدًا من اسم أول كتاب صدر في العالم تحت هذا التصنيف، ولكن لا بد أن يكون نسخة التقليد الثالثة أو الرابعة لأول كتاب حقّق نجاحًا تجاريًا.
وبدلًا من أن يكتفي العالم ببضعة كتب تكرر تلك الأفكار المحدودة، صار تصنيفًا مستقلًا، له مكان على رفوف المكتبات، ومواقع التجارة الالكترونية، وخطط الناشرين ومنتجي الأفلام المصورة.
وصارت كتب التنمية البشرية أو تنمية الذات سلعة بذاتها، لها منتجون ومسوقون ومستهلكون، ليسوا بالضرورة مستهلكو الكتب الطبيعية التي نعرفها منذ اختراع الطباعة. لها سلسلة إنتاج خاصة بها، ومعدّل نمو، وفترات تراجع، ومناطق انتاج جديدة تضيف بذور عبّاد الشمس إلى أمثلتها التطبيقية، وعادات الزواج عند قبيلة الماتاساتا إلى منابع لاستخلاص العبر.
وبالطبع تواكب وسائل الإعلام، لا سيما الالكترونية منها تلك النهضة في صناعة التنمية الذاتية، بتقديم عروض للكتب التي لا تتوقف عن التكاثر، وتقييمها وتصنيفها، ولا يكاد يخلو موقع الكتروني ناجح من عنوان «أفضل عشرة كتب للتنمية البشرية على مر التاريخ»، أو أفضل عشرة لهذا العام.
أو سبع عادات يومية ستغير حياتك، ثم يكون هناك قائمة المصادر والمراجع في نهاية المقال، وهي غالبًا كتاب واحد من تلك الكتب.
يبدو مذهلًا أن تتمكن بضع أفكار بسيطة وصحيحة لدرجة البديهية من صنع عالم كامل له جمهور يتوسّع باستمرار، وصنّاع يوسعونه على مدار الساعة، ويضيفون إليه تنويعات وشروحات، وقصص تدعم أفكارهم، وتحفّز قراءهم ليستلهموها ويغيروا حياتهم وفق إيقاعها.
خسر عمله وانفصلت عنه زوجته وطرد من بيته ونام في الشارع، ثم رأى حكيمًا في الطريق قال له جملة سرية، وقف تحت المطر في منتصف الشارع، نظر إلى السماء المتلألئة بالنجوم، ثم مشى تسع خطوات، ثم تغيرت حياته، وهو يملك الآن مطعم للبرغر له فروع في أربع ولايات وعنده مئات الموظفين، وتزوج واحد جديدة وشعرها أطول وأكثر ذهبيةً من شعر الأولى التي تخلّت عنه.
بالطبع كلنا نريد معرفة تلك الجملة السرية، كلنا يريد أن يكون السندريلا، وتظهر الساحرة لتلقي بتعويذتها وتلمس كتفنا بعصاها وتنقلنا إلى القصر، لذلك نحب من يخبرنا قصصًا مختلفة عن ذلك، سيما إذا كانت القصص مجرد مقدمة ليقول لنا بشكل حاسم: أجل أنت أيضًا على بعد خطوة واحدة من تحقيق ذلك، فقط آمن بنفسك، أيقظ قواك الخفية، اكشف السر، اتحد بالكون، أصدر أوامرك للكواكب والأفلاك لا سيما الكوكب الذي تعيش عليه، وكل شيء سيأتي لعند قدميك من تلقاء نفسه.
والجملة السرية تكون غالبًا تنويعات صياغية على تلك الأفكار العذبة التي كان يقولها شعراء المتصوفة المسلمون، أو الرهبان البوذيون المنقطعون في التيبت للتأمل، أو بطاركة كاثوليك حظوا بحس شعري إضافة لمعارفهم اللاهوتية.
ولكن هل هي هراء مطلق؟ بالطبع لا. فهي كتب تنمية ذاتية فعلًا، ولكن بوصفها كتبًا، مطلق كتب. فيها جمل مصاغة بطريقة سليمة، حكايات مساقة على سبيل المثال، استعارات من حكماء وشعراء، نتف معلومات عن علوم مختلفة حسبما يقتضي الحال.
كل كتاب في الدنيا هو كتاب تنمية ذاتية، فمن يقرأ بإخلاص الكتاب المقدس لديانته، أيًا كانت تلك الديانة، ستسمو روحه قليلًا، سيشعر بتغير في علاقته مع الدنيا. كذلك كل من يقرأ كتابًا في الفيزياء، أو التاريخ أو البيولوجيا، أو ديوان شعر أو رواية، سيتغير في داخله شيء ما، سيخطو خطوة للأمام في علاقته مع نفسه ومع محيطه.
لذلك لو أردنا تقليد تلك العناوين الجذّابة التي تتناقلها وسائل الإعلام الالكترونية، لتفوقنا عليها جميعًا، ووضعنا عنوانًا يلتهم عناوينها كلها كما فعلت بعصي السحرة، وقلنا: «قائمة بأهم مليون كتاب في التنمية الذاتية»، ثم نضيف لهذه القائمة كل كتاب يصادفنا. وبالطبع ستكون تلك الكتب المستأثرة باللقب من بينها.
ألم نتفق أن كل كتاب هو كتاب تنمية ذاتية، فهل سيتوقف الأمر عند تلك الكتب التي تصنف نفسها هكذا؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة