فريدة

صادق الطريحي  

   فَريدةٌ بثوبِها الأخضرَ في الخريفِ المعاصرِ، في السّوادِ الأخير، مثلُ كُمثرى طازَجَةٍ، في شَجرةٍ طيّبةٍ وحيدةٍ، شَجرةٌ خضراءُ مباركةٌ، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السّوادْ، الشّجرةُ في مدخلِ المسجدِ، أمامَ البابِ الخَشبيّ الوحيد، البابُ الذي يُفضي إلى بهاءِ اللهِ في المحراب، المحرابُ الذي في المسجدِ الصّغيرِ المُزيّنِ بالأزرقِ القاشانيّ، وهو الأزرقُ السّماويّ الذي يُزيّنُ بابَ عَشتار، البابُ الخَزفيّ في بابلَ الكبرى، بابلُ التي ما زالتْ تَصِدّ البَدوَ، ورملَ الصّحراء.

  في آخرِ الفجرِ، من كلّ يوم، تغسلُ امرأةٌ فريدةٌ نقشًا بارزًا، مُفردًا لكُمثرى خضراءَ على بابِ المسجدِ، المسجدُ الصّغيرُ في زُقاقِ الهاشميّين، في مَحلةِ حَنّةَ، في الكوفةِ القديمةِ، المدينةُ التي بُنيتْ من حِجارةٍ حمراءَ، كي تحمي الشّجرةَ العظيمةَ من غَزواتِ البَدوِ، والجرادِ، ورملِ الصّحراء.

    وفي طريقي إلى المدرسةِ صباحَ كلّ يوم، أشاهدُ تخطيطًا مجهولَ المُصَوّرِ لهاشمَ وهو يقلّبُ وجهَهَ في المحلّةِ، حيثُ يسكنُ الهاشميّونَ في بيتٍ واسعٍ، في أوّلِ الزُّقاقِ، جِهةَ اليَمينِ، مُجاورَ المسجدِ المعظّمِ، وفي بيتِهمْ أنثى خضراءُ مثلُ كُمثرى طازَجَةٍ، في شجرةٍ طالعةٍ نحو السّوادِ العظيم، شجرةٌ مباركةٌ في مدخلِ البيتِ، أمامَ بابِ السّلام، البابُ الذي يفضي الى حُجرةِ عَشتارَ، عَشتارُ التي تخرجُ صباحَ الجُمعةِ، مُذْ خلقَ اللهُ الأسابيعَ، ذاهبةً إلى بيتِ الجيرانِ، تُفرّقُ النّذورَ، وما أُهِلَّ لبيتِ الرّبّ، الرّبُّ الذي ما زالَ يحمي البيتَ من غَزواتِ البَدوِ، والغرباءِ، ورملِ الصّحراء.

   وفي الفجرِ اللقيطِ، في الخريفِ المعاصر الباردِ، جاءَ البَدوُ وهُمْ يلبسونَ الجزْماتِ، دَخَلوا أفواجًا من عدّةِ أبوابٍ، دَخَلوا من بابِ تُمّوزَ، قتلوا هاشمَ، وربما شُبّهَ لهم، حَطّموا بيتَ هاشمَ، وقتلَ بعضُهُمْ بَعضًا، ولمْ يَجدوا عَشتار، عَشتارُ التي أقوى من البَدوِ، والعَسكرِ، ورملِ الصّحراء.

   وفي الفجرِ اللقيطِ، في الخريفِ المعاصرِ السّاخنِ، جاءَ البَدوُ بملابِسِهِمْ الحديثةِ، دَخَلوا أفواجًا من عدّةِ أبوابٍ، دَخَلوا من بابِ مارس، طارَدوا المرأةَ الفريدةَ التي تَغسِلُ فَجرًا نَقشَ الكُمثرى، وفي الظّهرِ، تقاسَموا ثمرةَ الكُمثرى الطازَجَةَ، الحلوةَ، الخضراءَ، وفي العَصْرِ، كانوا جَوعى، فتسلّقوا الشّجرةَ المباركةَ، بحثًا عن ثمرةٍ أخرى، ولمْ يجدوا عَشتار.

    في المغربِ، كانتِ امرأةٌ تخرجُ من المِحرابِ، تُفرّقُ النّذورَ، وما أُهِلّ لبيتِ الرّبّ، الرّبُّ الذي ما زالَ يحمي البيتَ من غَزواتِ البَدوِ، ورملِ الصّحراء.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة