د. علي جواد الطاهر ورأيه في العقاد.. فصول ذاتية من سيرة غير ذاتية

القسم الأول

دراسة

شكيب كاظم

هذا كتاب نشر بعد وفاة أستاذي الدكتور علي جواد الطاهر (١٩١٩ أو ١٩٢٢-١٩٩٦)، الذي عرف عنه اهتمامه الشديد بنشر إرثه الإبداعي والبحثي، وقد تولى ذلك بنفسه وفي حياته، ولعل من بعض دوافع ذلك ما وقر في الذهن من افتقار البلد إلى مؤسسات تعنى بإرث من رحل، فهي لا تكاد تهتم بالأحياء فكيف بمن رحل؟!

هذا الكتاب احتوى على مقالات أو فصول ذاتية من سيرة غير ذاتية، ولقد عرف عن أستاذي الطاهر، عدم رغبته في نشر شيء من سيرته الذاتية، هو الذي درس في فرنسة السوربون وأذهله هذا الكم الوافر والوفير من الدراسات الذاتية، ولعل في عزوفه هذا دوافع ذاتية أفصح عن بعضها في مقدمة الكتاب، منها أن قراء السير الذاتية إنما يتوقون إلى رؤية ما للكاتب من خوارق ومغامرات، والطاهر ليس له شيء من هذه الخوارق! لكن إذ تطلب منه جهات ثقافية منها مجلة (الأقلام) وجريدة (الثورة) كتابة شيء من سيرة الدراسة أو العملية النقدية، فلم يجد بدا من الاستجابة، وهكذا كان.

الكتاب هذا الذي عنوانه ( فصول ذاتية من سيرة غير ذاتية) التي تولت الدار العربية للموسوعات ببيروت نشر طبعته الأولى عام (١٤٣٥هـ-٢٠٠٤) ويقع في أزيد من ثلاث مئة صفحة، هو هذه الفصول التي سبق نشرها في (الأقلام) أو (الثورة) وقد جاءت مقتصرة على الشأن الثقافي والدرس، منذ البداية لدى (الملا)-ونظل نصفهم بـ( الكتاتيب) والكتاتيب مصرية، وما في العراق كتاتيب- وانتهاء بالدراسة العليا في السوربون الفرنسي، مروراً بدار المعلمين العالية ببغداد، ومن ثم الرحيل نحو كلية آداب جامعة فؤاد الأول بالقاهرة، لإمضاء سنتين ليحصل على الليسانس وتعادل البكلوريوس في العراق التي تؤهله للانتظام في الدرس السوربوني، فضلا عن فصول في تجارب الكتابة النقدية ومؤهلات الناقد وثقافته.

            أساتذته

الكتاب الذي ناف على ثلاث مئة صفحة من الحجم الكبير، سياحة فكرية ومعرفية لذيذة في عوالم الثقافة والأدب، واقفا عند أساتذته سواء في الدرس المتوسط والثانوي، ويقف في المقدمة منهم أستاذه (محمد احمد المهنا) ومن قبله معلمه الأستاذ عبد الحميد حمودي، أبو  الباحث والناقد باسم، والشيخ أروقي ( الشيخ عبد الرزاق السعيد)، أم عن أساتذته في دار المعلمين العالية، ويقف طويلا عند الدكتور محمد مهدي البصير ومنهجه في التدريس، والأستاذ طه الراوي والدكتور مصطفى جواد، وإذ يوجب عليه الدرس في فرنسة أن يلم بكلية الآداب بالقاهرة وفي ذهنه الأساتذة الكبار: طه حسين واحمد أمين وأمين الخولي، لكن يفجأ بإعفاء طه حسين من العمادة؛ عمادة كلية الآداب، ويأتي التعويض عن ذلك حضوره بعض محاضراته، لكن يفجعه المستوى الضعيف للطلبة بله الأساتذة، فهم في شغل شاغل عن المحاضرة والدرس، سوى الشيخ أمين الخولي الذي يدرسهم علوم القرآن، ويكاد يشط به الهوى فيقول الذي لا يجوز قوله، لكن يمر هذا القول الخطير من غير أثر لأن الطلبة غير ابهين بهذا الذي يفوه به، فضلاً عن شيخوخة أحمد أمين التي تقعده عن تقديم الدرس المطلوب، احمد أمين الكاتب الذي كان ذائع الصيت- كما يقول الطاهر- يدخل الصف يائساً، محني الظهر، ضعيف البصر، مثقلا بالهموم، فيلقي بنفسه على المنصة حتى يكاد ينام عليها، ويفتح كتاباً ويبدأ يقرأ ويعلق ولا تجد من يصغي إليه. فماذا كان يقرأ بصوته الواهن؟(.   ) وينتهي الدرس كما بدأ ويخرج الأستاذ (الجليل) يائساً كما دخل يائساً، ترى أما كان للأستاذ الجليل من (المال) ما يغنيه عن هذه المهمة الشاقة جداً عليه وعلينا؟(.  ) والمعروف أن الرجل من الغنى بحيث يستطيع أن يريح نفسه! تنظر.ص.٢٥٨

وهو أحمد أمين الذي ينافس الشيخ أمين الخولي على قلب عائشة عبد الرحمن، وكل يريدها زوجة ثانية، فيفوز الخولي بها، حتى إذا حان الحين لمناقشة بحث الدكتوراه الذي تقدم به الطالب محمد أحمد خلف الله وعنوانه (الفن القصصي في القرآن) وأمين الخولي مشرفا على البحث، فيهتبل أحمد أمين المناسبة لتصفية الحساب مع الخولي، مدعياً أن البحث خروج على المنهج الديني فكيف نستعمل (الفن) في شأن من شؤون القرآن، وكيف يعالج القصص القرآني معالجة القصص الدنيوي؟ وعلى الطالب أن يعيد النظر فيها!

وهذا الدكتور شوقي ضيف لا يفرق بين الشعر الوجداني، والشعر الغنائي، عاداً الشعر الذي يغنى؛ يغنيه المغنون شعراً غنائياً، وما ذلك بصحيح، وإذ يناقشه تلميذه الطاهر في هذه الفذلكة يجيبه جازماً: أجل هي منه. كل شعر غناه المغنون هو شعر غنائي؟!

مستوى دار المعلمين العالية العلمي

علي جواد الطاهر، يفجؤه البون الشاسع بين المستوى العلمي لدار المعلمين العالية ببغداد في أربعينات القرن العشرين، وبين المستوى العلمي لكلية آداب جامعة فؤاد الأول، ومستوى الطلاب في العراق مقارنة لهم بزملائهم في مصر على الرغم من الشهرة الواسعة التي نالها أساتذة الكلية ومنهم: عبد الوهاب عزام وأحمد الشايب ومصطفى السقا وعبد الهادي أبو ريدة وسهير القلماوي فضلا عما ذكرت آنفاً.

ولكي لا يبخس الناس أشياءها فهو يشيد بعلمية الشيخ أمين الخولي والمعيد محمد احمد خلف الله، ودماثة خلق عميد الكلية عبد الوهاب عزام وتقديره للعراقيين، وهو الذي سبق أن رحل إلى ديارهم أستاذاً في دار المعلمين العالية.

ويغتنم الأستاذ الطاهر شهور مكوثه في القاهرة، ليزور أدباء مصر وكتابها، فكانت زيارة لأحمد حسن الزيات والرجل (متعب)، وزيارة لتوفيق الحكيم، وثالثة لمحمود تيمور وقد توثقت صلته به واستمر في إهداء كتبه إليه، وأخرى مخيبة الآمال؛ زيارة لعباس محمود العقاد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة