- 1 –
لا نعهد قضية من قضايا الانسانية –وليس من القضايا الاسلامية فحسب – استحوذت على اهتمام فرسان الشعر والبيان كقضية الامام الحسين (ع) حيث انها عاشت في الوجدان الانساني، وفي اعماق الحرائر والأحرار، وقد دأب عشّاق الحسين (ع) على احياء ذكراه تزامنا مع اطلالة شهر محرم الحرام من كل عام ، هذه الذكرى التي يُحْيُونها فَتُحييهم بما تَضُخُهُ في عقولهم ومشاعرهم من دروس مُلْهِمة ، وبما تثيره في نفوسهم من شجى وحزن حتى يمكننا القول :
ان اول المآتم على الحسين (ع) هي تلك المآتم التي نصبت في قلوب عُشّاقه وانصاره ، قبل أنْ تقام مجالس العزاء عليه …
في كل حدب وصوب .
- 2 –
والفظائع التي مارسها أعداء الله والانسانية في حربهم لسيد الشهداء (ع) يوم الطفوف ابتداءً بحرمانهم من ماء الفرات وانتهاء بتبضيع الاجساد الطاهرة، تبكي الصخر الأصم، فلا حاجة أبداً لافتعال حوارات ما انزل الله بها من سلطان يُجريها بعضهم عبر قوافيهم المثيرة لاستدرار الدموع .
- 3 –
واذا كان الخيال الرحب من ادوات الشعر المعروفة، فانّخطباء المنبر الحسيني ليس لهم ان يتعاملوا مع الحوارالشعري كما يتعاملون مع النص المقدس من آية أو رواية .
انّ فضلاء الخطباء ومشاهيرهم على دراية تامة باهميةالالتزام الكامل بالدّقة فضلاً عن الصدق في كل ما ينسبونه من أقوالٍ أو اعمال الى شهداء الطف .
بينما صرنا نسمع ونشهد – للاسف الشديد – مَنْ يعتبر الحوارات التي صاغها الشعر وما أكثرها في الشعر الشعبي – وكأنها نصوص مقدسة ، لابد أنْ تُشرحَ وتُسلّط الأضواء على مضامينها، في حين انها ليست بذات مصداقية على الاطلاق .
ان الفارق بينها وبين النصوص المقدّسة هو الفارق بين الحقيقة الناصعة والاسطورة .
ومن الثوابت الدينية عندنا انه :
لا يُطاع الله مِنْ حيثُ يُعصى ، ولا يجوز من اجل استدرار الدموع ان نجترح اي لون من ألوان الكذب او التزييف .
الامام الحسين (ع) يقول هيهات منا الذلة ويقول الشاعر على لسان الامام زين العابدين علي بن الحسين (ع) .
( ويصيحُ واذلاه اين عشيرتي ) …
فهل يتناقض زين العابدين (ع) في قوله أو فعله مع أبيه ؟
واذا كان مغفوراً للشاعر ان يسرح بخياله فليس مغفوراً للخطيب الرسالي أنْ يتسامح على الاطلاق في نسبةِ قولٍاو فعلٍ للامام الحسين (ع) او لواحدٍ من اهل بيته (عليه السلام) او لواحد من الابطال المجاهدين بين يديه، وهو بعيد عن الواقع، رغم اننا لا نشك في حُسن نيّتِهِ حيث أنَّ حسن النية شيء ووجوب الدقة والانضباط في النقل شيء آخر . - 4 –
وقديما قال الحمقى من الكَذَبَة على الرسول (ص) :
( اننا نكذب له ولا نكذبُ عليه )
وقد تجلّت الحماقة في اعتقادهم بأنهم يستطيعون عبر الاكاذيب انّ يخدموا الدين ..!!
ان الحسين (ع) هو عَبْرةُ كلِّ مؤمن ومؤمنة ، وهو لا يحتاج يقينا الى كل الزخارف والاباطيل ، ولا يرضى يقينا بالبدع والأقاويل .
- 5 –
والمحنة اليوم أنَّ المنبر أصبح متاحا ارتقاؤه لكلّ من هبّ ودبّ ممن لا يملك علماً ولا ورعاً ولا قدرة على التمييز بين الغث والسمين.
- 6 –
وهنا نجدد دعوتنا المخلصة لاختيار الخطباء الرساليينالواعين لمجالس العزاء الحسيني ، وعندها لنْ يَسألَ أحدٌعن النطيحة والمتردية .
طوبى للحسينيين
وطوبى لخدّام الحسين الواعين المخلصين وبعداً لكل المرتزقة والكذّابين.