التأريخ والتدوين في رواية مثلث لـ “علي لفتة سعيد”

القسم الأول

د.حمام محمد زهير                 

رواية مثلث الموت للروائي العراقي علي لفتة سعيد، تجمع بين مشاهدها وفصولها حكاية مجتمع معمق بأبجديات تفكير عصري ملازم للغة الأمة العربية، عرض تجربة الصحافة العراقية في الفترة 2003 ، فكأنما تراهن انك تقرأ في إلياذة إعلامية عراقية شهدت نفس الإحداث .

سبق وأن تناولت هذا الروائي في رواية “مواسم الاصطرلاب” منذ كثر من ثلاث سنوات، وجدتها غنية بملكة لغوية وتفكير راق يعود في  منطلقاته الأدبية إلى ما مارسه أبفان فورت، ورزاق محمود الحكيم  ألان ابسير وايفونس كار وعمق في أصوله  بروب.

 الرواية صدرت عن دار الماهر بالعلمة ولاية سطيف بالجزائر في شكل  سيميائي له  دلالات معرفية ،سوف نتحدث عنها في صلب النص وهي من الحجم الكبير، حيث  قاربت صفحاتها 400 صفحة..

وكعادتي أثناء الاشتغال على الأعمال الروائية  من سيمائيات الصورة والعنوان، حتى اجسمه من وراء  خيال الرواي، لأني  أشرفت على إكمال مطالعة الرواية كاملة في مدة  ثلاث  شهور.

وجدت فيها ما استطيع إن أفاخر به وما طرحته قابلا للنقاش ، وهذا ليس أنزاعا من عمل الروائي والناقد العراقي لفتة سعيد وإنما إضافة إلى ما أراد إن يجسده من- قيم فكرية- سواء كانت في العراق  كملكة تعود به إلى زمن الكل دانيين،   يظن انه مبعوث حضارة ، وهي ليست  في الغنى لها مثيل ،لكونها تركت أثارها رغم حقد هولاكو ومن بعده الاوابيين  ..

1.العلاف والعنوان: أرجوحة الفن وخميائية التلذذ

    فتحت المنطلق الأول على الصفحة ذاتها من مثلث الموت ،وجدت ما يلي بالنسبة لسيميولوجية الغلاف، جذاب ومؤول، وهو الأمر الذي جعلني دائما أركز عليه واختلف فيه كثيرا مع الروائيين العرب، وجدتهم في كثير من المرات  يتركون للناشر أحقية  خلط الألوان والمساحات بدون لون أو ذوق يعوزهم في ذلك تقنيات التشاكل ومنعطف المنحنيات  والإبعاد المائلة  والشاقولية ..

العتبة والعنوان

أعود إلى ورقة الغلاف ، أدمجت الورقة اللون الأحمر القاني، وسط لون اصفر وأخر تكسر بين الأبيض والأسود، وهي مدونة لونية جميلة، بالنظر إلى الألوان التي تحاكي حقائق الفصول ، كلها من إحداث وأحاديث ، وفي نفس الغلاف تتماوج  بعض الألوان كأنها تتحرك مشكلة قوالب عشوائية، يظن الضان أنها ركبت  بدلا من دراستها ، خاصة  وان يدين أنثويتين على وجه يفهمه العامي ، منبلجتين إلى الأعلى في شكل حركة كائنيه لها اكثر من تأويل، المهم إن  التقاطع كان مفبركا إلى حد لتجانب مع خفض السبابتين  وترجيح اليد اليمنى وإغراقها في اللون الأحمر اكثر من اليسر ما تفسير ذلك،؟

 إن مثلث الموت الذي رسمه الراوي هو رسم في رسمه  لتجانب  بين  أسفلي صورة اليدين  وكأني  أتحدث عن تقاطع الزندين،  وهو التقاطع الذي غمر في الدم،  فصار مثلثا  قاتما احمرا ، وما ظهر في الأعلى  في شكل ساعة رملية كانت الأصابع تتراوح في شكل تقاطع إحداثي ولكنها في الأصل كانت الأصابع متجانبة  فالمنظر  السيميائي عكس التقاطع وفي العمق فكانت سبابتين متجانستين. تعكسان شخصيتين مهمتين في أطوار القصة وهما سلام ومنتظر.

 2  . الحدث بداية  التاريخ للإعلام العراقي

يعرف الحدث بأنه كل مرتكز قاعدي ترتكز عليه عقدة الرواية ، فنجد إن  لقاء رئس الوزاري في مكتب المحافظ  كان  قمة الانطلاق  لفضح إيقونة  ظلت متخفية عند الكتاب في  تلك المرحلة كانت تكلفهم وزنة رصاص  تبقر فاه الناصية ، وهو ما تكرر في  نصائح  منتظر لسلام  الصحفي الصادق والروائي اللامع.

الصور التي اتخذت منحى السيرة الذاتية كانت واضحة من خلال المسيرة السردية التي طبقها الروائي وهي مليئة  بالتذكر والحوارات المقتضبة التي شدد عليها  بأسلوب بسيط  عكس  جانب المقروئية  لديه وهي التي جعلت  الكثير من  أقرانه يحترمون  سلاسة  ملفوظ  الجميلة .لخارجة من درسن اليخت العراقي ،هي يوميات لرجال الصحافة  في  حياتهم البسيطة وهم  يعلقون الأمل يوميا في الحياة نتيجة للاغتيالات كانت  تطال  الأقلام  تريد إن  تفضح  الفساد  والمفسدين .

رغم إننا نشعر  بمجاراة  اسلوب الراوي ليوميات السير على الإقدام  أو بالسيارات  في  الإحياء البسيطة  العراقية  فقدت رونقها عندما طبعتها  همجية فساد ، أتى على  كل شيء جميل ولعل ما ظهر باطنه هو قيم التحرش العلني  وممارسة الدعارة على  سبيل  الرزق في  بعض  إحيائها  المنتشرة  وهو ما عبرنه في   حكاية  شرب العرق  في  الصفحات  دون أن ينسى توظيف منحى المرأة  كزوجة  في  إيقاظ  الواجب  الإنساني  الذي  تقتضيه المرحلة  بشحها  لعنصر الرجال لان  أكثرهم  كان  يغتال  ـ

    تكلم  الراوي في كل ذلك  موقدا النزعة  الإنسانية العميقة التي سردها فرويده  بالعصابة الحسي للغريزة  ، من  خلال مارسنه  في  حركة  سلام المتخفية  مع  زوجته  قبل الانتقال  إلى  الطرف الأخر من التاريخ .

لنبين مايجب تبينه من اجل توضيح  زمن الحدث في حركية الرواية، بالنسبة لهذا الأمر ـ نجد توارد الوثيقة التي تحمل قائمة اسمية، وهي سند دارت حوله أحاديث الفصل الأول، وقد هدف الرواية إلى الانطلاق نحو ما هو مثير ومستلهم  لان الوثيقة سرية وتحمل أسماء ثقيلة في الوسط الاجتماعي العراقي، مما يجعل الحدث يتم ظهر في مطاردة القائمة الاسمية من جهة ، ويبين قدرات الرواية في التضخيم من العمل البطولي للذي وقعت بأيديه محتويات الوثيقة، كونها تحمل اسم شخصية  دينية ذات مركز تكون قد ساهمت في إعمال  تدينها  وتحطم  مكانتها.. بالنشر الواسع حتى ولو كان الفايسبوك..

1.2العقدة وإنزيمات الانطلاق

 وضع الرواية لفته سعيد العقدة منذ البداية وهو معيار تلخيصي لبعض الأفلام  التي  كنا نشاهدها في السبعينات من القرن الماضي والتي تلخص الفقرة الأولى للعرض كل تفاصيلها، الورقة التي  تؤدي إلى مثلث الموت دون شك  ظهرت في  متلازمة الوثيقة السرية التي تحمل أسماء منها رجل دين قوي.

كل ما دار في  نتاج العقدة، هو تبين الراوي لحال الصحافة العراقية في الفترة  2003  ومبعدها  حيث  صنفها  أنها  كانت مبوأة  بالمخاوف والترقب ،  ولهذا  فان الإحساس بالأخر في  كامل مراحل  الراوية ، شيء طبيعي فقوة عقد الصراع  بين المرجعيات الطائفية  التي  أخرت  العراق  مدة  من الزمن  في الوقت الذي  كان  إتباع المراجع الدينية  يضحون من اجل رمزهم تحت  شعار  الجنة يوزعها رجال الدين  وليس الإرهابيون  فقط فما أراد الراوي إن  يصل إليه  هو الإشارة  إلى  ضعف السلطة التي  كانت  فاتحة الحضن  للطائفية في  الفترة المفتوحة وهو ما ترجمته تلك المواجهات الدامية التي كانت  تطال  أحياء اللطيفية واليوسفي  والمحمدية ،  حيث طرح  الراوي المتقمص سؤاله لماذا   كل تلك المواجهات في  مدينة مدنية مقدسة ،لاشك إن الأمر جمله في أخر تنصيب العقدة بعد  ضعف السلطة هو  إشارته إلى  مثلث  الموت  باعتباره  الطريق الذي يتقاذفه الرصاص  ويمنح الموت لساكنيه.

*جامعة الجلفة/ الجزائر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة