يوسف عبود جويعد
تتميز كتابات عمر السراي الشعرية، بكونها تعمل على جانبين مهمين من المشاعر الإنسانية الكبيرة، الا وهما الحس الشبابي التفاؤلي، الذي يقدم لنا من خلاله نظرته المستقبلية الزاهرة بلغة شعرية شفافة رقراقة منسابة بإيقاع موسيقي حالم جميل، نحو غد أفضل وأجمل يكون بديلاً للفوضى التي تعم الحياة وتقلباتها وأحزانها وخرابها، وإنحدارها نحو ضياع الإنسان بين إتونها،والآخر هو العلاقة الإنسانية النبيلة التي تنشأ بين المرأة والرجل، والتي زرعها الخالق في روحيهما ليتمتعا بلذتها وعبيرها وسحرها ونشوتها وسكرها وخيالها وحلمها، فتكون الرافد لغزو هذه المتقلبات.
وفي مجموعته الشعرية (ولهٌ لها) يرسخ الشاعر عمر السراي رؤاه الشعرية الفلسفية الواعية، ويجسد كل هذا وأكثر بقصائد تكشف لنا، علاقة الحب بين النصف الآخر، وكذلك الحب بكونه حالة يمكن لها أن تحدث تغييراً وتفاعلاً مهماً يساهم في تنظيم حياتنا وإعادة توازنها، فعندما ينفخ في الروح الإنسانية جمال الحب ورقته وعذوبته كضرورة ملحة لإدامة العلاقات الإنسانية، تندثر عوالم القبح في الحياة وتعود الإنسانية لتنهل من هذا النبع الصافي، فينتشر الحب كالسحر بين بني البشر وتتغير معالم الحياة فيه، وإختياره لبنية العنونة التي تمثل رؤيته الشاملة لنصوصه الشعرية التي جعلت من الحب نهر صاف ينهل منه على يمينه وعلى شماله ومن أمامه وخلفه، وإستحضر محبوبته نصفه الآخر الذي يريد ويرغب أن تكون معه وترافقه رحلته الشعريه في هذه النصوص، وهو يضع أمامها بطبق من ذهب أحلامه المستقبلية التي إستجزأت من تلك العاطفة الكبيرة التي وهبها الخالق لمخلوقه، وأحياناً يذكرها بكل التفاعلات التي نشأت بينها وبينه والتي من خلالها نمى هذا الحب وترعرع وكبر وصار يسع العالم بأسره، وهو مستمر ببث روح التفاؤل النبيل في نفس المتلقي، وقد عمد الشاعر عمر السراي أن تكون نصوصه الشعرية، شبابية عصرية تواكب موجة الحياة في المرحلة الراهنة وتدخل بين متونها التقنيات الحديثة، وكذلك لامستقبل بدون شباب فأنه يوجه خطابه العاطفي، والروحي، والانساني، والادبي، والاجتماعي، والثقافي الى الشباب بكونهم جزء من رؤيته الشعرية، ولأنهم مع الحب وللحب يعيشون،فهو عنفوان الشباب، وكذلك لهذا الحب وتلك النظرة المستقبلية، وهذا الحس التفاؤلي الذي يجتاح نصوصه الشعرية شؤون اخرى سنمر عليها، ونحن نرحل ونطوف في عوالمها الشجية، والشاعر عمر السراي يكتب كل أنماط الشعر، العمودي، والتفعيلة والنثر، وقد طغى الجانب النثري في هذه المجموعة، والذي وجد فيه مساحة واسعة وحرية كبيرة لينطلق في رسم معالمه الشعرية، وليبث هذه التوليفة الجميلة المنتقاة والمختارة بوعي وثقافة عالية.
فالاهداء سيكون الخطوة الاولى لرحلتنا مع كتابات عمر السراي الشعرية .
أخيراً أنا وحيدٌ رغم وجودكِ…
ثم ضمنها ثلاث مستهلات مهمة لكي يواصل المتلقي في تحريك خطواته نحو العالم الشعري الذي رسم ملامحه في تلك النصوص.
مسهلٌ أوَّل…
نحن لانكتب الشعر..
نحن نغنيه كي تستظلَ القصيدة بالوجع الحلو
والأمنيات..
فمن سوف يمنحنا رئةٌ حين ننسى..؟
ويدفن آخر برعم حزن بجفن الفرات..؟
مستهلٌ ثان…
الشبابيك التي تضيء وجه العتمةِ بعضُ تفاصيله..
فهي تشفُّ عن جزء يكونُ أحلى حين يستتر غيمة
في كف إله..
مستهلٌ ثالث…
الحادي والعشرون من آذار…
هو اليوم العالمي للشعر…
ولأنك لم تهنئيني بعيد المعلم..
مع أن شفتيك الخلدونيتين تعلمنا ( دار، دور) القُبَلِ
وهكذا فإن تلك المستهلات بمثابة التمهيد لدخول المتلقي في هذا العالم الشعري، وهي تساهم في إعداده وتهيئته من أجل أن يخوض هذه التجربة ويرحل مع الحب والحياة والعاطفة والحس التفاؤلي.
ونود الإشارة هنا الى أن الشاعر إستخدم اللغة الشعرية البسيطة والسهلة والتي تشبه الى حد بعيد السهل الممتنع، ولم يغرقها بالإنزياحات الثقيلة المبهمة، التي تثقل النص الشعري بالايهام.
وفي قصيدة (آحاد) يقدم لنا الشاعر طريقة جديدة في التعامل مع الرقم كحالة دلالية ورمزية تساهم في إظهار ثيمة النص، إذ أنه يصف محبوبته بفئة الآحاد وكذلك يجد نفسه صفر وسط متطلبات الحياة.
وما الذي سيعنيه أن لا تكوني في حياتي…؟
سوى أن أترك هاتفي من دون رقم سرّي..
وأن أنام مبكراً قبل أنتظر ان آخر صفحة تقرئيتها
من امتحانكِ المرعب..
وكما اشرنا سابقاً أن قصائد الشاعر عمر السراي تنحى منحاً مستقبلياً، وتستحث الآخر الى تلك الرؤية، فأنه في قصيدة (عكاز) يخاطب محبوبته لترى ما يراه في المستقبل.
حبيبتي…
غداً ستنتهي الحرب..
وسأتحدث لك عن الشواجير التي القمناها
بدمائنا..
وعن المدافع التي لم تكن تسأل عن طوائفنا..
وسأكشف لك عن وجوه جميع السياسيين
المصلّين وهم يبنون عروشهم الدائمة على إختلاط
جثثنا التي لا تصلِّي بل يُصلّى لها..
وساصطحبكِ في نزهة للزوراء..
وبين الوله والحب ومجيء العيد نجد في قصيدة (العيد) صعوبة البحث عن هدية تليق بالمحبوبة التي يحبها وهي أثمن شيء لديه، ونكتشف في ثنايا هذا النص أن الفرح أنقسم الى قسمين الاول لأنه العيد، والثاني هو عيد رؤية محبوبته وتقديمه لهديته التي يجب ان تكون بمستوى هذا الحب.
كم من الكلمات سأحتاج لأفصل لكِ ثياب العيد…
قميص مورد بقافية ناعمة…
وتنورة…
لا…أحبك بالبنطلون أكثر…
لذلك سأخيطه لكِ من حروف كالماس…
ولأنك تحبين الفساتين كثيراً…
سأزرع جسدكِ بها…
وفي قصيدة (مشاهد حرّة) نعيش مع الشاعر بحريته وماذا يحب؟، وماذا يريد؟، وكيف هي وجه الحياة التي يرغب أن يعيشها.
1
أحب الافلام التي تنتهي بقبلة بين الحبيبين..
كما أحب مشهد فتاة تُنزُّه كلبها في حديقة
عامة كلَّ مساء
أحبُ النظارات..
والأحذية الأنيقة..
وأعشق رائحةِ الماكياج..
وأعرف طعم كل ألوان أحمر الشفاه..
أحبُ حفلات الشواء..
ورقصة هادئة على أنغام كلاسيكية..
وأحبُّ (تشارس ثيرون)
أحب كثيراً
ولأن الوطن لايستوعب أن يحقق لي كل ذلك..
سأفتح قلب فيلم هوليودي..
وأعيش في أحشائه النابضة.
وقد حملت هذه المجموعة عناصر التجديد والحداثة وأساليب وتقنيات مبتكرة وهي أضافة موفقة لحركة الشعر، وفي جانب الغزل لرقيق يقدم لنا الشاعر قصيدتين عن الغزل تحت عنوان (غزليات) وذكر فيها حالة الغزل بالمحبوبة بإسلوب رقيق شفاف ورومانسية عالية.
وفي قصيدة (غزليات 1) نكون مع الشعر العمودي وطواف رائع لمعنى الغزل.
حبيبتي سماء القلب بعدكِ ضيّقٌ
مداها وأسوارٌ على الروح تهطلُ
فعيناك عصفوران طارا لجدول
يشمان سرّ الكون مما يرتلُ
ذلتُ وشحَّ الماء منكِ فهاجني
محيّاك والذكرى وعودٌ قرنفلُ
وكذلك ضمت المجموعة صباحات مشرقة، جاء ذلك في قصائد ثلاث تحت عنوان (صباح).
وفي قصيدة (صباح1) نكون مع تلك الصباحات الجميلة الشجية المشرقة بالحب والعاطفة.
صباح يليق بعينيك أحلى صباح…
صباح البنفسج والفل والذكريات الملاح..
صباح الاغاني..
وقلب يعاني..
على العشق جاء وما عنه راح..
صباح يليق بعينيك احلى صباح..
وهكذا ومن خلال رحلتنا مع بعض من النماذج الشعرية التي ضمتها هذه المجموعة، نكتشف أن الشاعر يقدم لنا القصيدة الشبابية العصرية الجديدة التي تنسجم وواقع حياة الشباب في المرحلة الراهنة، ويحثهم على مواصلة الحياة بالحب ونشره في بقاع المعمورة حتى يتفاعل ويتحد مع طقوس الحياة ليجد له ممر نحو التغيير.
- من إصدارات دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع لعام 2019