يعد الاتجار بالبشر من أقدم الممارسات البشرية ذات السمعة السيئة والأثر البالغ على الإنسانية التي لا تزال قائمة إلى عصرنا هذا, فبعد أن كانت تقتصر على تجارة الرقيق الذين يتم بيعهم في سوق النخاسة بعد أسرهم في الحروب أو بعد بخطفهم من ذويهم، تطورت الآن – بعد أن ألغي وجُرِّم الرّق- وأصبحت ذات أبعاد وصور كثيرة، يُمتهن فيها الإنسان (النساء والأطفال على الخصوص)، ويُستغل، ويُذل، بشتى أنواع التصرفات والممارسات، ويُتعامل به كبضاعة منزوعة الإنسانية، من قبل مجموعات إجرامية منظمة تنشط بشكل سرّي في مختلف أنحاء العالم، فلا تقف عند حدود دولة ما بل تتعداها لتنفث سمومها وآثارها السلبية الجسيمة فيها فظاهرة الاتجار بالبشر اذن هي ظاهرة دولية لا تقتصر على دولة معينة.. إنما تمتد لتتخطى الحدود الجغرافية وتشمل العديد من الدول مع اختلاف في أنماطها وصورها طبقاً لرؤية كل دولة لمفهوم هذه الظاهرة ومدى احترامها لحقوق الإنسان..
الاتّجار بالبشر أو الاتجار بالأشخاص هو بيع وشراء البشر، بخاصة والنساء والأطفال ذكور وإناث، وما يتعلق بهذا النشاط من أنشطة مكملة، بغرض الاستغلال من قبل المتّجر أو من قبل غيره. هذا الاستغلال قد يشمل: السخرة، الاسترقاق الجنسي، الاستغلال الجنسي بهدف الربح، الزواج بالإكراه، سلب الأعضاء الجسدية. قد يحدث الاتجار بالبشر في دولة واحدة أو بين أكثر من دولة، ولا يتضمن الاتجار بالبشر بالضرورة نقل الضحية من مكان لآخر. ويعد الاتجار بالبشر في المواثيق الدولية جريمة ضد الفرد؛ لاعتدائه على حق الضحية في الانتقال عن طريق الإكراه وبسبب ما يتضمنه من استغلال يهدف للربح.
وقد بادر المشرع العراقي العام 2012 إلى إصدار قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012 استجابة لمصادقة العراق على اتفاقية الأمم المتحدة لحظر الإتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الآخرين التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 317 في 2-كانون الأول-1949 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية والبروتوكولين الملحقين بها والتي اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها (55/25) في 15/تشرين الثاني 2000، وبروتوكول باليرمو، حيث ورد في الأسباب الموجبة لقانون مكافحة الاتجار بالبشر (هذا القانون شرع لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر والحد منها ومعالجة آثارها ومعاقبة مرتكبيها لكونها تشكل خطورة بالغة على الفرد والمجتمع، وتمثل إهانة لكرامة الإنسان).
ولمكافحة هذه الجريمة نجد ضرورة تطوير التشريعات والقوانين ذات الصلة بمكافحة الاتجار بالبشر، ووضع عقوبات رادعة لكل من تثبت صلته بهذه الجريمة وتحسين الظروف المجتمعية بتوفير التعليم ومكافحة البطالة وتوفير الدعم الحكومي للفئات الفقيرة ، وتفعيل نظم الضمان الاجتماعي ووضع برامج تربوية لتعريف المجتمع بجريمة الاتجار بالبشر واليات مكافحتها, وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، والتأكيد على الشراكة المجتمعية مع الجهات الرسمية, والتنسيق مع الدول ذات الحدود المشتركة من اجل ضبط الحدود للنجاح في مكافحة هذه الجريمة.
القاضي عبد الستار بيرقدار