هذا الدفاع لا يمت بصلة لدواعي الولاء او الاعجاب او لمناقب كتابات الغزل المغشوشة النيات، بل ان صلته مبررة بالمسؤولية حيال ازمة البلاد ومصيرها على الخارطة، إذ تندفع الاحداث والاحتقانات الى طور خطير وتشرف على هاوية اللاعودة، و(الدفاع) في الاخير رأيٌ يحرص صاحبه ان يدخل فيه مدخل الصراحة من غير لف ودوران، كما انه غير معني في ما اذا واصل عبدالمهدي مهمته وتكليفه، او انه تنكب عنها يوما.. وكلا الاحتمالان وارد.. فاقول:
لا افهم سبب «انكفاء» الذين ايدوا، ودعموا «ورحبوا بـ» عادل عبدالمهدي الى الوراء والعمل على اطاحته ، وانزعاجهم حيال الايقاع الذي يمضي عليه، وطريقة تعامله مع الاحداث والفروض المطروحة، واحسب، واقطع، انه لم يعط (لا قبل تكليفه ولا بعده) تعهدات لأحد، ولم يوقع على سيناريوهات غير معلنة مع اية جهة لأدارة الدولة والسياسات، ولم يوحي او يلمّح الى قرارات سيتخذها باستثناء البرنامج الحكومي المعلن على الملأ، ولو انهم اطلعوا عليه جيدا، وتملّوا بناءاته واولوياته وكيمياء اللغة التي حملته لما انكفأوا وانزعجوا، أو اخذهم العجب من عدم استجابته للتحذيرات والاملاءات، ونأيه عن الملاسنات التي بلغته في حشوات النصائح، وفي رسائل شاءت ان تكون محمولة على سوء الظن.
يجمع البرنامج الحكومي كل مسارات العمل التنفيذي في موشور واحد هو «اعادة بناء الدولة» والفرضية الملحة تقول ان السياسيين والمعنيين التفتوا الى هذا الموشور، واخذوه بالاعتبار بوصفه اولوية وفق سياقات معقدة وطويلة الامد، وقد تم الدخول الى اعادة بناء الدولة من خمسة ابواب كالتالي:
*تفعيل الدستور نصا وروحا (وأشير الى اصلاح القضاء)
*تفعيل قوانين الوزارات وتعديلها أو سن غيرها
*إعادة هيكلة مجلس الوزراء
*تطوير أنظمة الحوكمة بشكل جذري
*تقوية اللحمة الوطنية
وثمة قضية اكثر اهمية من التعهد باعادة بناء الدولة هي ما عبر عنه عبدالمهدي في سلسلة مقالات استباقية عن رؤياه لمعالجة ازمات البلد، ومَن تأمل عناصرها جيدا وقف عند تشخيصات واضحة (من وجهة نظره) لمفاتيح الحلول والتسويات، وقد اشار في احداها الى ملف توزيع الموارد مؤكدا انه «امر يمكن معالجته عبر الموازنة العامة. وهذه مسؤولية اتحادية لا اشكال حولها، تنظمها بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات (كتابات في الميزان(26/7/2018) وليس من دون مغزى ان يؤكد على «التعاون» بين المركز والاقليم بصدد توزيع الثروة الوطنية عبر الموازنة العامة الامر الذي لا ينبغي ان تكون موضع استغراب احد تلك الخطوات التي اتخذها حيال اقليم كردستان، واعادة هيكلة الالتزامات بين المركز والاقليم.
كما لا ينبغي الاستغراب حيال امتناع عادل عبدالمهدي عن التعامل بردود الفعل مع تعرضات اتخذت طابع المخاشنة والريبة، فهو رصد منذ وقت مبكر حقيقة ان «هناك فوضى مفاهيم ومناهج فقيرة تجعل تحليل وفهم الاوضاع خاضعاً للمزاج والارتباطات، اكثر مما هو تشخيص طبيب لمرضاه، حتى وان كانوا من اقاربه» واضاف القول «فمن يريد الاصلاح عليه ان يراجع مفاهيمه وثقافته وسلوكه، فهي قبل غيرها سبب ازماتنا المتكررة. فنحن نراكم السلبيات ونضحي بالإيجابيات».
عادل عبدالمهدي بوجيز الكلام يمضي على مسارين، الاول هو البرنامج الحكومي، والثاني الوسطية الفئوية والفكرية التي عرضها في مداخلاته طوال اكثر من عام قبل تسليمه قيادة الدولة.. اما ادواته التنفيذية فان علتها من جنس العلل التي تضرب كتلة الشركاء في العملية السياسية المريضة، وقد يحق للمراقب ان يعيد الى الذاكرة بان المتحاملين على مشوار عبدالمهدي جُرّبوا «ادواتهم» كفاية وفشلوا، إلَا في لعبة التباكي على الشعب.. واخوة يوسف جاءوا اباهم عشاء يبكون.
عبدالمنعم الأعسم