أنشودة المطر..

مطر … مطر … مطر … سيعشبُ العراقُ بالمطر ..
هكذا تغنّى السياب بالمطر في انشودته التي حملت اسم المطر ، ومغازلة المطر لم تقتصر على السياب ، انما سبقه وتبعه الكثير من الشعراء والعشّاق والمطربين الى التغني بالمطر ، ولكن في المقابل ، هناك من يتطيّر من المطر ويكتئب كثيرا عندما يرى السُحب تتجمع في كبد السماء ، برغم ادراكه ان الحياة من دون المطر ، سيكون مصيرها الذبول ، ولكن المشكلة ، ان الذين يخشون المطر ، انما لهم اسبابهم ، فلنأخذ مثلا النازحين الساكنين في المخيمات وحجم معاناتهم مع المطر، فمثل هؤلاء يواجهون ظروفا صعبة ومعقدة عندما ينهمر المطر ، والحال ذاته ربما ينسحب على مناطق السكن العشوائي ، هذه المناطق التي تفتقر لأبسط الخدمات ، ومنها شبكات تصريف مياه الامطار ، وهنا نتحدث عن الامطار الطبيعية التي تتساقط خلال فصل الشتاء ، في زمن غاب فيه المطر خلال السنوات الماضية ، الامر الذي عرّض البلاد الى ازمة جفاف في الصيف الماضي ، وراح البعض يتحدث عن اننا مقبلون على جفاف مدقع سيحيل حياتنا الى يباب ، يرافق ذلك شروع الجارة تركيا بملء سد اليسو وتقليل كميات المياه الواردة الى العراق عبر حوض نهر دجلة ، لذلك عشنا في الصيف الماضي حالة رعب وقلق من احتمال جفاف نهر دجلة ، وتعرض البلد الى ازمة مياه حادة ، ولكن الحمد لله مرّ الصيف بهدوء من دون عطش ، الا ان القلق بقي يساورنا ، على مستقبلنا المائي ، وما تخبئه لنا الاقدار لنا في هذا الامر .. ولكن في هذا الشتاء تغيّر الموقف تماما اذ لم تكن الامطار طبيعية او كما هو متوقع ، فبدلا من ان نذهب باتجاه حفر الابار او شراء خزانات كبيره وملئها بالمياه !! ، جادت علينا السماء بمائها الذي انهمر بنحو لم تشهده السنوات الماضية منذ عام ٢٠١٣ على ما اعتقد ، اذ تعرضت مناطق العراق كافة الى امطار غزيرة جدا استمرت لعدة ايام ، تسببت بالكثير من الاضرار ، لاسيما للأسر الساكنة تجاوزا في احواض الانهر بعد جفافها خلال السنوات الماضية ، فضلا عن تعرض بعض المناطق الى الغرق اما ، بسبب غزارة الامطار ، او نتيجة رداءة شبكات المجاري ، ناهيكم عن الصعوبات والمتاعب التي سببتها الامطار للنازحين وسكان العشوائيات ..
ولكن في المقابل، و بعد الموجة الاخيرة من الامطار التي شهدتها اغلب مناطق البلاد ، يمكن للمراقب ان يسجل جملة من الملاحظات الايجابية التي افرزها سقوط الامطار .. ولعل اولى هذه الملاحظات هي ، اعلان وزارة الموارد المائية ، ان العراق أمّن وضعه المائي بشكل كامل للسنتين المقبلتين ، سواء كان للاستهلاك او السقي او التوازن البيئي ، ومثل هذا الامر ، سيعطي الوزارة مساحة جيدة لتنفيذ بنود استراتيجية الامن المائي التي تتضمن انشاء مجموعة كبيرة من سداد حصاد المياه في المناطق الغربية والشرقية من البلاد ، وكذلك بناء سدود جديدة وتأهيل وتوسيع السدود القائمة ، اذ تتحدث الوزارة عن امكانية اكمال مشروع سد بخمة العملاق ، فضلا عن تبطين الانهار والتحول نحو الاساليب الحديثة في الري للحد من هدر المياه وزيادة رقعة الاراضي المزروعة ، كما يمكن ملاحظة ان مساحات واسعة من الاهوار غُمرت بالمياه بنسبة ١٠٠٪؜ ، واغلبها بنسبة ٨٠٪؜ ، ما يعني ان حياة جديدة ستبدأ في تلك الاهوار التي كانت مهددة بالجفاف في الصيف الماضي ما يجعلها عرضه لرفعها من لائحة التراث العالمي ، وفي الوقت نفسه ، ارتفعت نسبة العذوبة في مياه شط العرب بمستويات عالية وانحسار اللسان الملحي الذي كان يتلمظ مهددا ابناء البصرة بالعطش الدائم ، اما الان فبات واضحا ارتفاع مناسيب المياه الصالحة للاستهلاك في الشط ، بعد اخضاعها لمعالجات بسيطة .
ومن الملاحظات التي سجلناها ايضا ، وجود ذلك التنسيق العالي بين مؤسسات الدولة كافة سواء الاتحادية او المحلية ، وتواجد الكثير من المسؤولين (رئيس الوزراء ، الوزراء ، المحافظون ، وكلاء الوزارات ، المديرون العامون ) في الميدان ، الامر الذي اسهم في معالجة الازمة اولا بأول ، وخصوصا ، بعد تشكيل خلايا ازمة في الكثير من الوزارات ومنحها صلاحيات كافية ، حتى مرت الازمة باقل الخسائر ، وايضا يمكننا ان نسجل هنا فعالية هيأة الانواء الجوية والرصد الزلزالي التي استطاعت ان تتابع متغيرات الطقس اولا بأول ، وتصدر بياناتها عن الحال الجوية ، ما اتاح الفرصة امام الجهات المعنية من اتخاذ الاجراءات المناسبة في الوقت المناسب ..
ولكن مقابل ذلك ، فان البعض من وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، سعت الى زرع الرعب في نفوس الناس من خلال تهويل المشهد ، و التقليل من دور واهمية الاجراءات الحكومية ، التي نجحت في السيطرة على الموقف ، ومما يؤسف له ايضا ، تعرض فريق الجهد الهندسي لدرء الفيضان التابع لوزارة الموارد المائية في محافظة ميسان والقوات الامنية المرافقة له في اثناء قيامهم بفتح مسالك المياه لتصريف الموجة الفيضانية الى مناطق الاهوار الوسطى الى هجوم مسلح بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة من قبل المتجاوزين على اراضي الهور خلف السدة الاحترازية مما ادى الى استشهاد ضابط برتبة نقيب واصابة احد افراد الشرطة بجروح بليغة .
وعلى العموم ، ان «ازمة» الامطار ، ان اسميناها ازمة ، كشفت لنا مواطن القوة والضعف في مستوى الاداء الحكومي ، وتعامل المواطنين ، وموقف الاعلام ، بالتالي ينبغي الاستفادة من هذه الدروس في معالجة المشكلات التي سنواجهها في المقبل من الايام والسنين.

عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة