رئيس محكمة الأحداث:
بغداد ـ الصباح الجديد:
نالت قضية دور إيواء المشردين في بغداد ومحافظات العراق حيزا من الاهتمام الإعلامي بعد حادثة حريق دار المشردات في الاعظمية الذي تسبب بمصرع عدد من النساء، ما يدعو إلى بحث قضية المشردين ومعالجات القانون العراقي لهذه الشريحة.
وتحتوي العاصمة بغداد دارا لإيواء المشردات الإناث في الأعظمية، ودارا أخرى لإيواء المشردين الأحداث الذكور في الكرادة، وترتبط هذه الدور إداريا بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي قامت مؤخراً بنقل الإناث والذكور ودمجهم في دار واحدة هي (الدار الآمن) في الصليخ التي سجلت عليها ملاحظات كضعف الإشراف وفقر الامكانات من حيث التأثيث والجاهزية لاستقبال المشردين.
وتعتمد الدار الآمن على التبرعات والهبات الشخصية التي يبادر بها مواطنون دون وجود دعم مالي من الدولة، ما دعا محكمة أحداث بغداد إلى مفاتحة نيابة الادعاء العام ومفتشية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لغرض إعادة تأهيل داري المشردات والمشردين في الأعظمية والكرادة السابقين كونهما مستوفيين للشروط الأمنية والخدمات الأخرى.
المتشرد في القانون
وتحدث رئيس محكمة أحداث بغداد القاضي حيدر جليل البيراوي عن المعالجة القانونية في التشريعات العراقية للمتشرد، لافتا إلى أن “المادة 24 من قانون رعاية الأحداث حددت الحالات التي يعتبر بها الصغير او الحدث مشردا، وهي إذا وجد متسولا في الأماكن العامة او تصنع الإصابة بجروح او عاهات او استعمل الغش كوسيلة لكسب عطف الجمهور بهدف التسول”.
وأضاف البيراوي “يعتبر متشردا من مارس متجولا صبغ الأحذية أو بيع السكائر أو أية مهنة أخرى تعرضه للجنوح، وكان عمره اقل من خمس عشرة سنة، وإذا لم يكن له محل إقامة معين أو اتخذ الأماكن العامة مأوى له، ومن لم تكن له وسيلة مشروعة للعيش وليس له ولي أو مرب، وكذلك من ترك منزل وليه أو المكان الذي وضع فيه بدون عذر مشروع، ويعتبر الصغير مشردا أيضا إذا مارس أية مهنة أو عمل مع غير ذويه”.
ووضع المشرد يختلف عن وضع منحرف السلوك الذي تناولته المادة 25 من قانون رعاية الأحداث، فالبيراوي يؤكد أن جملة أعمال حددتها “هذه المادة تميز من تنطبق عليهم هذه الصفة وهي القيام بأعمال في اماكن الدعارة او القمار او شرب الخمور، او مخالطة ممن اشتهر عنهم سوء السلوك، و من كان مارقا على سلطة وليه”.
وعن قدرة التشريعات على الإحاطة بهذه الشريحة بين رئيس محكمة أحداث بغداد جوانب القصور في القانون، ويقول “قد يكون الطفل دون التاسعة لا مأوى له في دار الأيتام، وقد يحوز من هو دون الثامنة عشر مكانا في دار المشردين حسب نص المادة ٢٤ من قانون رعاية الأحداث”.
أما المادة ٢٥ فاعتبرت الصبي مشردا أيضا اذا كان دون الخامسة عشرة ويعمل بائعا متجولا في الشارع كصبغ الأحذية أو ريع الحلويات وغيرها حتى وان كان له سكن ثابت وله مأوى فهي حالة من حالات التشرد، فهناك من كان بعمر اكبر من سن الثامنة عشر ولا مأوى له فتنطبق عليه نص المادة ٢٤ من قانون رعاية الأحداث الخاصة بمعالجة التشرد”.
واضاف القاضي البيراوي “انه بعد مرور أكثر من ربع قرن على تشريع قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 ودخوله حيز التنفيذ اظهر الواقع التطبيقي قصورا في بعض نصوصه واخفاقا في بعض أحكامه في معالجة بعض المسائل المهمة والتي لها اثرها البليغ في التصدي لجنوح الأحداث والحد منها، وقدم القضاء العراقي شواهد حية كشفت مواطن الخلل في قانون رعاية الأحداث العراقي، وحددت معالم قصور نصوصه عن استيعاب العديد من الحالات او عدم انسجام معالجتها مع خصوصية الأحداث وطبيعتهم والظروف التي تدفعهم إلى الجنوح”.
ومن جهة أخرى، شرح رئيس محكمة احداث بغداد آلية عمل دور المشردين والفئات العمرية التي تستقبلها على وفق القانون العراقي بأن “يخضع من أكمل التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشر الى احكام قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل بمن فيهم وصف المشرد الوارد ذكره في المادة 24 من القانون الذي يوجب إيواء من تنطبق عليه الشروط في دور الأيتام لمن كان دون الثانية عشرة من العمر، ودور المشردين لمن كان اكبر من ذلك”.
وقال القاضي البيراوي انه “بعد عملية الايواء مباشرة يقوم الباحثون الاجتماعيون بالاتصال بذوي المشرد او أقاربه، بغية محاولة معرفة سبب تشرده إن كان بسبب العنف الأسري، ثم معالجة الأمر اذا كان بسبب العوز المادي او الظروف الأمنية كما حصل في الموصل، إذ جرى التعرف على ذويهم بشكل مباشر او عن طريق التواصل الاجتماعي وحضروا وتم تسليمهم إليهم”.
اما في ما يتعلق بعدد المشردين اكد القاضي انه “لا يمكن إعطاء إحصائية رسمية لأعدادهم لأن الرقم في تغيير مستمر وهو يعتمد على الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلد”.
وفي الوقت نفسه رسمت المادتان 26 و27 الإجراءات التي يمكن إتباعها وتطبيقها على الاحداث الذين شملوا بالمواد الخاصة بالمشردين ومنحرفي السلوك كما أعطت المادة 27 لمحكمة الأحداث الحق في اتخاذ قرار بتسليم الحدث الى أقربائه، على أن يراعى في ذلك وضعه ومصلحته لضمان حسن تربيته وسلوكه بموجب تعهد مالي مناسب ويجوز لمحكمة الأحداث أن تراقب تنفيذ التعهد بواسطة مراقب سلوك أو باحث اجتماعي لمدة تنسبها، يضيف البيراوي.
وأكمل “أما في حال عدم ظهور قريب للصغير او الحدث وطلب شخص حسن السيرة والسلوك متحد في الجنسية والدين مع الصغير او الحدث تسليمه إليه لتربيته وتهذيبه فلمحكمة الأحداث ان تسلمه اليه لضمان حسن تربيته وسلوكه بموجب تعهد مالي مناسب وعلى المحكمة ان تراقب تنفيذ التعهد بواسطة مراقب سلوك او باحث اجتماعي لمدة تنسبها”.
وعن طلبات التبني أو الضم ذكر القاضي أنها “كثيرة وان إجراءات المحكمة هي حضور الزوجين وربط عقد الزواج وما يؤيد مقدرتهما المالية على اعالة الطفل وما يؤيد وجود سكن ثابت لهما، ويجرى الكشف الموقعي من قبل باحث اجتماعي في المحكمة للتأكد من ذلك وربط ما يؤيد حسن السيرة والسلوك لهما من المجلس البلدي وتقرير طبي يؤيد سلامتهما من الامراض السارية والمعدية”.
ويفضل بحسب قاضي الأحداث “إذا كان طالبو التبني عقيمين وليس لهم أبناء ولم يتجاوزا سن الخمسين ويؤخذ تعهد منهما بالمحافظة عليه عند تسليمه إليهما ثم يصدر قرار اولي بالموافقة على ضم الطفل فيأخذان القرار الى دور الأيتام وحسب الأقدمية في الحصول على القرار يتم تسليمهما الطفل، اما العمر المفضل وحسب الواقع المعلي يتراوح من عمر يوم وحتى تسع سنوات، لامكانية تربيته وتوجيهه، اما اكبر من ذلك فهي حالات نادرة”.
ويضع القاضي كمقترحات لإعادة تأهيل المشردين منها “زيادة الوعي الديني والتربوي لهم من خلال زيارة مختصين من ذوي الخبرة في هذا المجال الى الدور باستمرار، وتوفير المسارح ودور السينما بما تعرضه من برامج ثقافية لغرض تعليمهم استعدادا لدمجهم مع المجتمع في حالة خروجهم”.
وأكد على الدور بـ”زيادة الأنشطة الرياضية والثقافية وإشراك المستفيدين الأحداث بغية زيادة الثقة بالنفس والاندماج مع الباقين، وتكليفهم بأعمال كتعلم الحاسبة وتصليح الأجهزة الالكترونية والخياطة وغيرها من الحروف تشعرهم بأهميتهم وهي أيضا تعلمهم حرفة تفيدهم في المستقبل”.