•جوناثان فنتون – هارفي
الهدف من مبادرات المساعدات والإعمار التي تطلقها السعودية في اليمن، سعي المملكة إلى ضمان تأثيرها في المدى الطويل.
فيما تواجه الحرب السعودية في اليمن استنكاراً متزايداً من الحلفاء الغربيين، وفيما يبدو أن محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي تُحقق تقدّماً باتجاه التوصّل إلى هدنة بين الحوثيين وحكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، قد تُضطر الرياض إلى كبح تدخّلها العسكري في البلاد، أقلّه جزئياً. غير أن المبادرات الاقتصادية والديبلوماسية التي تقوم بها السعودية في اليمن سوف تضمن تأثيرها هناك حتى لو انحسرت حملتها العسكرية.
تُشير مشاريع الإعمار والتنمية التي تقوم بها المملكة في مختلف أنحاء اليمن، إلى جانب التبرعات للمساعدات، إلى رغبة الرياض الطويلة المدى في ترسيخ نفوذها ودفع جارتها الجنوبية إلى الاعتماد عليها بصورة متزايدة في المستقبل. فمن شأن هذه الخطوات أن تحدّ من تأثير أفرقاء خارجيين آخرين على غرار الإمارات العربية المتحدة التي تسعى جاهدة أيضاً إلى ممارسة نفوذ أكبر في جنوب اليمن. بالمثل، يمكن أن تؤدّي التعريفات التي تفرضها السعودية على البضائع التي تدخل المهرة من سلطنة عمان، إلى الحد من تأثير السلطنة في اليمن، سيما الروابط التجارية القوية التي تجمعها تاريخياً بالمهرة. لقد هدفت الاستراتيجية الحربية السعودية، على امتداد النزاع، إلى تدمير اليمن وإضعاف الدولة إنما مع الحؤول دون أن يؤدّي ذلك إلى انهيارها بالكامل –ما يمنح السعودية راهناً فرصاً أكبر لتقديم «يد المساعدة» في إعادة الإعمار. تُظهر بيانات جمعتها وزارة الزراعة والري اليمنية أن السعودية تعمّدت، بين آذار /مارس 2015 وآب/أغسطس 2016، استهداف السدود والخزّانات والقطاع الزراعي والأسواق في جميع المحافظات تقريباً، سيما على مقربة من الخطوط الأمامية للنزاع في مأرب وصنعاء وتعز وعدن.
بين آذار/مارس 2015 وأيلول/سبتمبر 2017، استهدفت 356 غارة جوية سعودية مزارع في اليمن، وشُنَّت 174 غارة على أسواق تجارية، و61 غارة على مستودعات للمواد الغذائية، وفقاً لإحصاءات صادرة عن مشروع بيانات اليمن (Yemen Data Project)، ما يُشير إلى تركيز متعمّد على جعل الوصول إلى المواد الغذائية رهناً بقوّة السلاح، وعلى فرض «الاعتماد الكلي على الواردات الغذائية من أجل البقاء». لقد استعملت الرياض هذه المساعدات وسيلةً للاستحواذ على السيطرة. ووفقاً للجنة الإنقاذ الدولية، تلجأ خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، التي تحصل على التمويل من الائتلاف الذي تقوده السعودية – وتؤمّن المواد الغذائية والأدوية والمساعدات التجارية إلى اليمنيين – إلى «التكتيكات الحربية» بدلاً من تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية في البلاد. على الرغم من أن اليمن كان يعتمد على الواردات للحصول على 80 إلى 90 في المئة من المواد الغذائية والأدوية والوقود قبل العام 2015، إلا أن التجارة مع السعودية كانت تستحوذ على ما نسبته 9.7 في المئة فقط من هذه الواردات. تتطلع الرياض إلى استغلال انهيار البنى التحتية اليمنية لزيادة حصّتها من هذه الواردات وإبقاء اليمن رهناً بالدعم منها.
في تشرين الأول/أكتوبر، وافقت الرياض على تزويد اليمن بمشتقات نفطية بقيمة 60 مليون دولار في الشهر، وقد سُلِّمت الدفعة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 إلى محافظات حضرموت وشبوة والجوف ومأرب والمهرة. تُحيط الشكوك بالجهود التي تبذلها السعودية لإظهار نفسها في صورة اليد التي تُقدِّم مساعدات إنسانية إلى اليمن. لقد أعلنت المملكة، في أيار/مايو 2018، عن خطط طويلة الأمد للتركيز على تطوير البنى التحتية من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
يتضمن البرنامج الذي يُشرف عليه السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، «بناء منشآت مدنية وصناعية وتربوية وطبية مجهّزة بأحدث التقنيات «في اليمن» وتوسيعها»، وفقاً للسفارة السعودية في الولايات المتحدة. في حين تُصوِّر الرياض البرنامج بأنه بادرة خيِّرة تعكس رغبةً في المساعدة على معالجة الأزمة الإنسانية في اليمن، يلفت النقّاد إلى أنه يتيح للسعودية، بصورة أساسية، توسيع شبكات المحسوبيات التابعة لها.
تُركّز هذه الجهود الواسعة النطاق على تطوير المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عبد ربه منصور هادي، لا سيما في المهرة وعدن، بدلاً من مناطق الحوثيين التي تعرّضت لدمار أكبر. وتشمل هذه المشاريع – التي جرى الإعلان عنها في أيار/مايو 2018 ويُتوقَّع أن تُنجَز في مهلة أقصاها خريف 2019 – توسيع منشآت الرعاية الصحية، وبناء مصنع لتنقية المياه، وترميم المطار في الغيضة، وشق العديد من الطرقات المعبَّدة وبناء مصنع للطاقة الكهربائية في المهرة، وترميم ميناء نشطون، وبناء مستشفى في عدن الخاضعة لسيطرة هادي. وفي جانبٍ مهم، تعمل المملكة على تشييد جامعة مدينة الملك سلمان التعليمية والطبية في المهرة، والتي يُشير اسمها إلى أن السعودية تسعى إلى فرض نفوذها الثقافي أيضاً. على الرغم من أن تأثير الحرب لم يصل بالقدر نفسه إلى مدينة مأرب، إلا أن السعودية موّلت أعمال ترميم وإعمار في مطارها، ما أسهم في استحداث آلاف الوظائف لليمنيين. وكذلك في إطار البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، تُشارف أعمال إنشاء الطريق الممتد على طول 250 كيلومتراً (155 ميلاً) بين مأرب والسعودية، على الانتهاء، الأمر الذي سيزيد حركة المواصلات والتواصل بين البلدَين. وقد أعلن القيّمون على البرنامج عن مشاريع إضافية في كانون الأول/ديسمبر 2018 لتطوير النظام التعليمي في المهرة والغيضة عبر تأمين آلاف الكتب المدرسية والحقائب والطاولات والحافلات المدرسية – في محاولة سعودية، وفق ما يُعتقَد، لكسب تأييد السكان المحليين.
يجري الإشراف على عدد كبير من المشاريع أو تطبيقها من خلال العاصمة «المؤقتة» في اليمن، بما يؤدّي إلى توطيد الرابط بين المحافظات الخاضعة لسيطرة هادي والمركز التجاري الأساسي في البلاد. لقد حاولت السعودية إعادة توجيه الحركة التجارية من الحديدة، التي تستورد أكثر من 70 في المئة من البضائع اليمنية وتخضع لسيطرة الحوثيين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2014، إلى عدن. وفي سياق ذلك، سيصبح نظام هادي أكثر مساءلةً أمام السعودية نظراً إلى أن نفوذه على هذه المناطق سيصبح أكثر اعتماداً على الدعم السعودي الذي من شأنه أن يمنح المملكة امتيازات استثمارية متواصلة في اليمن.
كذلك تتيح هذه المشاريع الإنمائية والإعمارية للرياض فرصة لتحقيق منافع اقتصادية، لا سيما فيما تسعى إلى تطوير طرقات جديدة لزيادة قدرتها على تصدير النفط والغاز. لقد أطلقت مجموعة شركات هوتا النفطية في جدة، وفق ما ورد في رسالة موجَّهة إلى السفير آل جابر، خططاً في صيف 2018 لفتح ميناء لتصدير النفط في المهرة. كذلك باشرت السعودية في أيلول/سبتمبر العمل على إنشاء خط أنابيب نفطي بديل عبر المهرة وصولاً إلى بحر العرب. يؤمّن الميناء وخط الأنابيب معاً طريقاً داعماً للتصدير للحلول مكان مضيق هرمز الذي تدّعي السعودية أنه معرَّض لخطر حصار إيراني محتمل.
فضلاً عن ذلك، تكتسب المملكة سيطرة أوسع على المراكز اللوجستية الرئيسية في اليمن، والتي تستخدمها لتمرير المساعدات. لا يؤدّي الالتفاف على مرفئَي الحديدة والصليف إلى خفض المساعدات إلى مناطق الحوثيين وحسب، بل إن الحجم الكبير للمساعدات التي تمرّ عبر الموانئ الخاضعة لسيطرة التحالف، مثل المخا والمكلا وعدن، يؤمّن أيضاً حوافز للشركات المحلية والدولية لزيادة إمكانات هذه الموانئ وتعزيز فاعليتها. وقد عمدت الرياض إلى بناء رافعات لزيادة النشاط التجاري داخل الموانئ وخارجها، بغية تسريع هذه العملية الإنمائية وتثبيت السيطرة السعودية. فمن شأن ذلك أن يؤدّي إلى تعزيز الدور الاقتصادي للمدن الخاضعة للتأثير السعودي في المدى الأبعد. وفي هذا الإطار، تعتمد الموانئ على الرياض كونها تُسيطر على الدفق المتزايد للبضائع عبرها – وسوف يُبدي القيّمون عليها نزعة أكبر نحو السماح بالتدخل الاقتصادي من الشركات السعودية في المستقبل أو التساهل حياله.
جوناثان فنتون-هارفي باحث وصحافي يُركّز على النزاعات والمسائل الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا