حاوره: الياس الطريبق
س: بداية عرفنا عنك من يكون ياسين الحراق؟
شاب ينتمي إلى عائلة بسيطة استطاعت التمرد على حياة البادية والاندماج سريعا في حياة المدينة. وتحديدا في «قرية» أكبر حجما قليلا تعرف بمدينة القصر الكبير.
س: حدثنا عن بداياتك الشعرية الأولى، كيف جئت إلى الشعر وكيف اختطفتك أنامل القصيدة؟
ليست هناك بداية، أعتبر نفسي كأي شاعر هاو ما دمت لم أبتدع بصمة شعرية راهنة تكون بمنأى عن ما يكتب من قصائد عبر عقود، ما زلت أبحث عن قصيدتي وأفكر فيها دون حماس كبير – لست مستعجلا – وليذهب الشعر وشيطانه إلى جهنم.
إذا كنت تقصد الفترة التي توطدت فيها علاقتي بالشعر فأرجح فترة دراستي بالثانوي التأهيلي حيث تزامن ذلك مع حضور مدرسين يستنشقون الثقافة وماهرون جدا في إيصالها بسلاسة إلى تلامذتهم وأكثرهم حضورا في قلبي الأستاذ مصطفى بوخزار. ثم ازداد تعلقي بالقصيدة لحظة تم تعييني مدرسا بأقا في الجنوب الشرقي من البلاد.
س: كيف جاء تتويجك بجائزة القناة الثانية للإبداع، وإلى أي مدى ساهم ذلك في بروز ياسين الحراق كصوت إبداعي شاب وواعد؟
لست شاعرا شابا ولا شاعرا واعدا ولا شاعرا كهلا أو أي شاعر يحمل لقبا قد أكون رجلا خرفا يؤمن بعد النجوم لذلك ابتلاني الله أن أعدّ في السماء نجمة تلو نجمة وربما كان لهذا الخرف سببا في تتويجي بجائزة القناة الثانية للإبداع الأدبي التي لا أعرف سبب توقفها بعد نجاحها ومساهمتها في تشجيع فئات كبيرة نحو الكتابة. لا أنكر أن التتويج حسن من معنوياتي في أن أعتبر ولو في داخلي بأني أقول شيئا. لكن ذلك كان أيضا سببا في ابتعادي عن المرجعيات الصوفية في الكتابة وتعويضها بمرجعيات فكرية ذات طابع فلسفي ومذ ذاك صار حالي كالغراب في مؤلف كليلة ودمنة أقضي وقتا طويلا في تعقب شكل خطواتي.
س: حدثنا عن بعض قراءاتك الشعرية، ومن هم الشعراء الذي تأثر بهم ياسين الحراق وشكلوا وعيه الشعري والإبداعي.
مذ أن صرت يافعا وأنا أمتهن السفر من محطة لأخرى، فكان اللقاء بيانيس ريتسوس، قسطنطين كفافي، باولو باتزوليني، عبد الله زريقة، مبارك وساط، محمود درويش، محمد الماغوط، وديع سعادة، بسام حجار، أبو العلاء المعري، عنترة بن شداد، أبو الطيب المتنبي، مولانا جلال الدين الرومي وغيرهم من الشعراء، لكني ورغم البراءة التي تبدوا واضحة في وجهي أجدني بارعا في القتل، حيث كلما أحببت شاعرا طعنته.
س: القارئ لقصائد ياسين الحراق يتأثر بمدى اللغة الشفافة التي يضطلع بها البعد الصوفي في نصوصك، إلى أي حد يمكن للمبدع أن يجمع بين التجربة واللغة الأدبية في هذا المنحى؟
ربما كان حدث تعييني مدرسا بجنوب المغرب الشرقي حيث تنثني قصص كثيرة لرجالات التصوف إضافة إلى البساطة التي تطبع المجتمع والجغرافيا هناك أثرا في انفتاحي على عوالم صوفية مختلفة لاسيما وأن مقر عملي تحرسه روح الصوفي عبد الله بن مبارك. وبما أن حياة واحدة لا تكفي ،كان لا بد من سفر روحي ومعرفي يمتد نحو حيوات المتصوفة بعيدا عن عتمة المادة لكن دون أن يعني ذلك السقوط في صنوف الطرقية، بل التقاطع مع الإرث التاريخي والإنساني الضارب في القدم واستثماره في الكتابة الشعرية.
ومن ثمة كان ديوان بغير جناح وهو يقف في منزلة الحيرة والسؤال، الذوق والكشف، الحياة والمعنى، القبح والجمال، النأي والوحشة، البعد والقرب، ترجمة شعورية للبيئة التي خلفتها ورائي وأفكر اليوم في إعادتها من جديد.
س: ما هي بعض أعمالك المرتقبة؟
موازاة مع الديوان الشعري الثاني الذي أتمهل في إصداره، مازلت مواصلا ببطء العمل لإكمال دراسة تاريخية تتعلق بمجال المقاومة المغربية لكن من منظور فني وثقافي.
س: هل بإمكاننا أن نراك تكتب القصة القصيرة أو الرواية إسوة بالنص الشعري وأنت الذي دشتن مسارك الجمالي شاعرا وليس قاصا أو روائيا؟
ربما، لكني لست مستعجلا ثمة وقت كثير للتفكير في الكتابة السردية لا أريد أن أمضي مع موجة السرد الآن أريد أن أنصت طويلا لأعماقي وأتفرس في الحياة وأدون النتاج لاحقا لا أريد أن أتعجل في استبدال معاول الشعر بالسرد ما زلت أرى أناملي صلدة.
س: ما رأيك في المشهد الشعري المغربي والعربي على حد السواء، هل صوت الشعر يصل أم أنه لا يعدو أن يكون نشازا وسط أصوات لا تني عن تكرار نفسها؟
في تقديري أرى الشعر حاضرا اليوم بقوة يمكن أن نتفرسه في كل مكان إلى حد يخيل إليك أن هذا الناموس يكاد يرادف صور الملوك في الأوراق النقدية وجدران المرافق العمومية ومع ذلك يبقى موشوما بالخرس لا يتجاوز فضاء النخبة وكأنه مقدور أن يظل كذلك.
كثيرة هي الأسباب والأسئلة المواكبة لهذه الراهنية الشعرية لا مراء في ذلك: هل يتمثل هذا الخفوت في عدم مسايرة التكنولوجيا؟ الطلاق القائم بينه وبين الموسيقى؟ ازدراء المقررات الدراسية للشعر؟ الطريقة التي يقرأ بها ويقدم؟ ضيق الحيز النقدي وافتقاره لملكات النقد الجادة؟ … ليس ثمة سبب واحد كما لا يمكن أن نختزل خفوت صوت الشعر باعتباره استحال إلى»نشاز أصوات متكررة». أستبعد ذلك إذ لطالما كان «الكَلبُ وَالشاعِرُ في مَنزِلٍ» اسأل لبيد بن ربيعة عن ذلك.
س: كيف يرى ياسين الحراق حركة النقد في المغرب الشعري، وهل يقدم في نظرك الناقد للشاعر أدوات تسعفه في الإبداع والتماس خارطة الطريق، أم أن الناقد في نهاية المطاف يبقى حبيس النظرية دون التجربة؟
دائما كان الجدل حاضرا في ثنائية الشاعر والناقد فكلا الطرفين غير مقتنعين بالنتاج الإبداعي لذلك يمكنني أن أذهب إلى اعتبار الجهود الكبيرة التي بذلت حديثا في النقد غير كافية حيث لم يعد بمقدور الناقد أن يواكب التجارب الشعرية الراهنة لكثرتها وتنوعها ولم يعد الشاعر مشغولا بالمعايير والمؤشرات النقدية.
ومع ذلك تواصل قافلة النقد طريقها وقافلة الشعر أيضا دون أن نعرف متى تنتهي هذه الرحلة التي لا يمكن التنبؤ بمسارها أو ألغازها…
س: تمتح قصائدك في جزء كبير منها من معجم الطبيعة في جانبها «المتكلس» عكس جانبها المخضر، كيف تحضر هذه التيمة الإبداعية في شعرك؟
ليس بالضرورة لأن اللغة الشعرية في بعض نصوصي مخاتلة. في تقديري أراني ديمقراطيا في استثمار هذه الجدلية ليس بالضرورة أن ما يبدو أخضرا يكون كماهيته فالبياض يستحيل إلى سواد أحيانا كما أن الحزن قد يغدو شكلا آخر للفرح وهنا أقصد الديوانين معا.
سقوط اليرقات من عل مثلا، هي بداية تحول من الوجود إلى العدم بالنسبة لشاعر أو متفلسف، لكنها تغدو ممكنا جماليا إذا تم النأي عن هذا الوصف والاكتفاء بلحظة السقوط مجردة من أي صيرورة تراجيدية.
اللغة تروم تجريبا صادرا عن رؤيا تتغيى خلق أشكال تعبيرية مختلفة فحتى مع الألم يصدر الجمال ذلك أن قدر الشاعر في الحياة أن يكون صانع الجمال، مادام يحيا بعينينٍ تحدّقان إلى السماء لالتقاط المعنى وتصطدمان أحيانًا، بلوثة العالم السفلي فتلتقطان ذلك النقص الذي يكتنفه.
س: تنقلت بحكم عملك في التدريس بين أماكن وفضاءات عديدة، ما بين الشمال والجنوب والآن في شرق المملكة. في كل مرة كان المكان يرخي بظلاله على خطى الشاعر. كيف لعب هذا المعطى دوره في تجربتكم الشعرية فضلا عن تجربتكم الإنسانية؟
تأثير المكان بالنسبة للكاتب كتأثير الفراشة في النظريات الفيزيائية حتى وإن كرهناه أول الأمر، فالشاعر رحالة بالفطرة وإن لم يبرح مكانه.
أجد ما كتبت ترجمة للمكان أي استقراري المؤقت في الجنوب والشمال حيث تغدو النصوص الشعرية طلاسم وألغاز تطبعها ذاكرة مكانية.
رسالة توجهها لجيل الشعراء الشباب؟
أنصحهم بالتوبة من الشعر ألم يقل شفيق البلخي (و، 194 هـ) كنت شاعرا فرزقني الله التوبة.