جمال جصاني
ما حصل في الموصل والمناطق المحاذية لها من أحداث مؤلمة، بعد تبخر هيبة الحكومتين المحلية والاتحادية أمام غزوة داعش الاخيرة، يكشف عن حجم التعفن والتفسخ الذي وصلت اليه العملية السياسية التي انطلقت في البلد بعد زوال النظام المباد. وأحداث الموصل الجديدة، وبالرغم من الحجم الواسع من المرارة والالم اللذين رافقاها، تحمل معها اشارات لا تقبل التأويل عن ضرورة الكف عن منهج الحلول الترقيعية والوصولية في التعاطي مع مثل هذه التحديات المصيرية، والتمهيد لنوع آخر من القرارات لا تضع نصب عينيها غير المصالح العليا لسكان هذا الوطن المنكوب بالفزعات الخائبة.
لقد كشفت التطورات الاخيرة الكثير من الحقائق، وعرت مواقف غير القليل من الشخصيات والزعامات المتورمة للمشهد الراهن، حيث اسقطت غزوة داعش الاخيرة آخر المساحيق عن الوجوه الكالحة المترصدة لمشروع العراق الجديد. نعم، ليس هناك ادنى شك حول هشاشة المؤسسات التي وجدت على عجل بعد التغيير، وعلى رأسها الاكثر تورماً (العسكرية والامنية)، لكن لا يمكن في مثل هذه الظروف والتحديات التي تواجه التجربة الفتية، هضم المواقف الملتبسة والغامضة والمترددة لغير القليل من نجوم العهد الجديد من سياسيين ومثقفين واعلاميين وغير ذلك من شخصيات تدعي الاهتمام بالشأن العام. كل التجارب الحية للشعوب والامم، تعتز بخياراتها الشجاعة ووحدتها وتضامنها زمن المحن، حيث يلقى بكل انواع الخلافات السياسية والعقائدية والثقافية جانباً، لمواجهة التهديدات المتربصة بأمنهم وحاضر ومستقبل وطنهم. ومما يؤسف له ان ينضح عن اناء بعض البرك الراكدة في المشهد الراهن، مواقف وخطابات تسعى لأن تستثمر في محنة ما يفترض انه وطنهم وشعبهم وتجربتهم الديمقراطية (بكل ما رافقها من عيوب). البداية التي لا يتناطح عليها كبشان؛ هي توحيد الصفوف ورصها لمواجهة العدو الاجرامي والهمجي (داعش وفلول البعث ..) ومن ثم الشروع باتخاذ قرارات شجاعة تمهد لاعادة بناء عملية سياسية مسؤولة ومتوازنة تشرع الابواب لالتقاء جميع الروافد السليمة فيها. كما لابد من اخذ الحيطة والحذر من الافرازات الضارة لغزوة داعش والبعث الاخيرة، خاصة في مجال ارتفاع منسوب الاحتقان الطائفي والشوفيني، حيث انتعشت ابواب «الهويات القاتلة» بشكل يمكن ان يهدد الامن والاستقرار والوحدة الوطنية الهشة اصلاً، ان لم تتخذ اجراءات صارمة وخاصة في الحقل الاشد فتكاً، الاعلام والمنابر بوظائفها المختلفة. هذا هو أوان القرارات الشجاعة والمؤلمة لمواجهة الكارثة المحدقة.