تفاعل الراي العام العراقي كثيرا مع قرارات لجنة مكافحة الفساد الاخيرة التي تم بموجبها القاء القبض على مجموعة من المسؤوليين العراقيين السابقين والحاليين الذين تورطوا في ملفات فساد وسبق للمحاكم المختصة ان ادانتهم فيها او لم يتم استكمال اجراءاتها االقانونية بسبب الضغوط السياسية المتمثلة بتدخل احزاب وجهات وقوى نافذة في سلسلة الاجراءات القضائية التي تخص هذه الملفات واذا كان السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سعيد بهذا التفاعل من قبل الشارع العراقي فانه ينبغي الاخذ بالحسبان التجارب السابقة التي سبق للعراقيين ان تماهوا معها لكنها لم تؤتي اوكلها بسبب تراجع القادة والمسؤولين الذين انبروا لمعالجة ملفات الفساد او بسبب اناطتهم هذه المهمة الى اشخاص غير كفوئين او نزيهين مما ادى الى انحراف مسيرة مكافحة الفساد عن سكتها الصحيحة ودخولها في ميدان المزايدات السياسية مرة اخرى او الاكتفاء بالتشهير الاعلامي والتلويح بالتهديدات القضائية ..ان الحقيقة التي يجب ان يدركها كل مسؤول عراقي يتعاطف مع هذه الحملة التي بانت ملامحها منذ ايام هي عدم وجود فضل لاحد في تنفيذ مذكرات القاء القبض على مجاميع السراق والمجرمين الذين افسدوا في المال العام فكل الذي يجري هو وجه من وجوه تطبيق العدالة في العراق التي غاب تطبيقها لاكثر من سبعة عشر عاما فالدستور العراقي والقوانين الوضعية التي شرعت في الدولة العراقية الجديدة بعد 2003 جميعها تتحدث عن انزال القصاص بمرتكبي جرائم الفساد بكل اشكاله وعناوينه لكن الذي حصل فعلا هو تراخي الاجهزة الامنية والسياسية والقضائية في تنفيذ البنود التشريعية التي تتعلق بمكافحة الفساد وتمادى البعض في حرف جوهر القوانين التي تتحدث عن هذه المهمة فيما جردها البعض الاخر من محتواها من خلال العمل على تعيين بعض القضاة المنتمين او المدعومين من جهات حزبية او فئوية مما ادى الى فقدان أي قوة او نفوذ لسلطة القانون فاستغل السراق هذه الثغرة الكبيرة وهذا الخطا الفادح ونسجوا علاقات مع اطراف حكومية وتبادلوا معهم مصالح ومنافع وشهد العراق صفقات سياسية ومقايضات تم من خلالها اطلاق سراح عشرات المتهمين بجرائم الفساد فيما جرى من ناحية اخرى وتحت هذا الغطاء تسهيل هروب كبار السراق ومنهم وزراء ومدراء عامون وموظفون كبار في الدولة العراقية واخيرا وليس اخرا جاء قانون العفو العام ليدق مسمار الموت في روح القوانين العقابية التي شرعها المشرع العراقي حينما تم ادخال فقرات فيه وبتعمد واصرار من قبل بعض الاطراف السياسية تم من خلالها شمول الكثير من رموز الفساد والاجرام بالعفو وكل مانشاهده اليوم من حملات جديدة لمكافحة الفساد هو محاولة لاعادة احياء القانون العراقي وتفعيل النصوص القانونية التي نصت على انزال العقاب بالسراق الذين تسببت سرقاتهم بحرمان ملايين العراقيين من حقوقهم في الحياة الكريمة
د. علي شمخي