في لوحات التشكيلية فريال الأعظمي:
بغداد ـ فهد الصكر:
للحرف قداس ، وسحر وجاذبية لا يمكن لمن يرتله رسما أو كتابة دون وضوء وأنسجام معرفي التكوين ، وطقوس لونية تتشكل كقصيدة تولد كما الموسيقى عند فجر رحب السماوات ، والغيوم ، وربما المطر.
للحرف قداس لا يمارسه في حقول المعرفة تشكيلا إلا من يمتلك جرأة الفرشاة وهي تسبح على سطح القماشة لتعيدنا الى الواقع وقد شغلتنا الفكرة تماما بجمال لونيتها المشتهاة شعرا.
شعور أكثر من ذلك نقيا يعتريك وأنت تتنقل في صومعة التشكيلية المبدعة فريال الأعظمي.
فهي تمتلك تجليات السحر الذي يمتد كحكاية للمدى ، ترسم بأسلوب يأتي من مخيلة تعج بالصور والرموز الحضارية لتراث تنتمي اليه ، وهي العراقية الهوى بكل درس ووعي تشكل وسيبقى الى حين واضحا في مدوناتها ، شاخصا في كل معارضها الشخصية حرفا وقصيدة تعج بالألوان.
وهي لا تتوقف عند تجربة واحدة ، لتظل تدور حول حروفها ، اذ تسعى دائما الى البحث والتجريب الحداثوي ، عبر مشاهد بصرية لم يطرق فضاءاتها من قبل .
والفنانة « فريال « تمنح المتلقي إيقاعا ينسجم مع موضوعاتها ، ولذا نراها تعيش لذة التجريب في كل عمل جديد لها ، فهي ترسم وتشكل حرفها العربي كما تريد لتمنحه جماله الآسر كقصيدة.
ولذا كانت تجربتها مع الشاعر السوري ( لؤي طه ) نموذجية اللون حكائيا « لون وتشكيل « لتصدر فيما بعد كتابها عن تلك التجربة التي تفردت بها والموسوم « لا ترفع وشاح ألواني، هناك ينام الوطن» ..
وضم الكتاب مجموعة من لوحاتها الحروفية والتي عرفت بتعاملها مع الحروف في بناء لوحتها، وقد رافقت تلك اللوحات قصائد « لؤي « بكل معانيها وقد رسمتها بدقة وجمال وبيان وضوح كرنفالي ، مع دراسة نقدية للفنان والناقد التشكيلي العراقي المقيم في المملكة المتحدة « محسن الذهبي « بعنوان « الحرف واللون، سمفونية المعنى» .
هذه التجربة تمثل وعي مغامرتها المعرفية ليس على مستوى اللون ، ومسارب الحرف ، بل دللت على أمتلاكها الأدوات المعرفية لرسالة الحرف في واقع صار للشعر رفيق أخر.
وتقول التشكيلية « فريال « في مقدمة كتابها : حدود لوحتي وألوان حروفي من حيث يشرب الطائر ماء النيل، إلى حيث أغصان الزيتون بالقدس العتيق، إلى أن يلثم ثغر النخيل شطي دجلة والفرات، إلى قبة الأموي والحمائم ترفرف لدمشق الياسمين، إلى أشجار الأرز لحظة الأصيل، وعلى الخليج كألوان الفراشات تحوم تخطف اللؤلؤ المنثور على خدود البحرين « .
وهذه السياحة الجغرافية الأثر ترسم لوحة لوطن تحلم به ، أفتقدته من زمان بحسابات « الغربة والمنفى « لكنه ظل لونا وهوية وثبات في لوحاتها كوسادة تنام هادئة الحلم في كل حين.
في حين كتب الناقد « محسن الذهبي « أن الفنانة فريال الأعظمي تتحسس روح الحرف في التعبير، وتعيش معه قبل أن تعيد صياغته بأسلوبها الإبداعي الخاص المعتمد على تجسيد مكنون ذاتي القول والحرف بتكوين معماري، تتشابك به حروف القول وتتقاطع مع بعضها بانسيابيتها مما يعطيها إحساساً بعمق الحقيقة وقوتها لتخلق نص جمالي آخر يضيف للنص القولي لوناً وتعبيرية تجعله مؤثراً في روح المتلقي «.
وأختم القول للفنانة فريال وحنينها للعراق عبر قصائد استفزتها من خلال كلمات الراحل محمود درويش ، والتي حركت ذاكرتها لتطلق حنينها إلى الوطن الأم العراق، إلى صدر الأم وحنانها وإلى ذكريات الطفولة ، في بيته الشهير « وأحفر اسمي على جذع رمانة في حدائق بابل « الوارد في قصيدة « ليل يفيض من الجسد «، أطلق ذاكرتها وعاد بها إلى شتاءات طفولتها في حي الأعظمية ببغداد، وإلى طبق الرمان الذي تعده والدتها يومياً لتتناوله فريال في حديقة المنزل ، وتقول فريال « كانت والدتي تحضر لنا الرمان يوميا لنتناوله في حديقة منزلنا بمجرد عودتنا من المدرسة في الشتاء خاصة. كل هذه الأمورلا تزال حاضرة في ذاكرتي».