صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر اللبناني شربل داغر، بعنوان «عِشها مثلَ أبدٍ لا ينقضي». وباستهلالهِ بفقرةٍ للخليل بن أحمد الفراهيدي عن الشعراء، جاء في مطلعِها: «الشعراءُ أمراءُ الكلامِ، يُصرِّفونهُ أنَّى شاءوا»، يكونُ الشاعر شربل داغر، الذي كتبَ دراساتٍ حول الشعر العربي الحديث، وقصيدة النثر؛ قد مهَّدَ لخوضِ تجربةٍ جديدةٍ، أكثرَ تمرُّداً ربَّما، وهو يواصلُ مشروعه الشعري، متقدِّماً من دونِ أن يلتفتَ إلى الخلف، هو الذي يُسمِّي الأشياء، فتتبعهُ الأشياءُ، هو الذي يُمسكُ اللَّحظةَ الواحدة، وإذ يضعُها على طرف لسانهِ تتمدَّد وتتَّسع وتحولُ دون غيابه، هو المقامرُ المغامرُ الذي لا بوصلة له، ولا منفذ نجاة. وهنا نقرأ: للجنديِّ قطعةٌ معدنيةٌ، فيها رَقْمُهُ، وأنا ما أفعلُ، وليس لي مثلُها، فيما لا أتوانى عن الوُقُوعِ يومًا تلوَ يومٍ، / ولا أجدُ مَنْ يدلُّني على منفذِ نجاةٍ؟
هاجسُ الشَّاعر، هو المشيُ، البقاءُ على قيْد الخطى: «لا أزالُ أجدُّ في السَّيْر، / وأرقصُ فيما أظنُّني أمشي». بل هناك في الكتابِ قصيدة بعنوان «لن أتوقَّفَ عن المشي» وأخرى «كانتْ، بينما كنتُ أمشي»، ولا يهمُّ بعد ذلك هل من وصول؟ لأنَّ في المشي حياةٌ، وفي الحياة خفَّةٌ، تجعلُ الشاعر شاعراً، لأنه كذلك يسهو ويمحو ويدقُّ بنعومةٍ على الكلمات، كما لو أنَّ لها أبوابًا، ويعترف: «أنا أكتبُ كلماتٍ، هذا ما في مقدوري/ أكتُبها فقط.»
يتمسَّكُ شربل داغر في كتابه الجديد، بهوائهِ المُغاير، بقدرتِه على التمرُّد على نفسهِ أوَّلاً، ثمَّ على ما كان جاهزاً من قوالبَ تُطوِّقُ اللُّغة، والشِّعرَ تجعلُه حبيسَ أبنيةٍ إسمنتيةٍ تحولُ دون أن يتسرَّب هواءُ التَّغيير والتجدُّد بداخلها، سنلتقي بقصصٍ وحالاتٍ نثرية تُجلسنا من خلالها فيروز، وتبقينا أمّ كلثوم واقفين في حفلتها، فيما نحاولُ استدراك ما فاتنا من أُغنيات نجاة الصغيرة، وإذ نمضي مع بول كلي في القيروان، فإنَّنا كذلك نمشي خلف خُطى كاندينسكي، ونحبُّ في زمن الفَيس، ونتحدَّثُ بألسنةِ «النت» المبتورة.
«»عِشها مثلَ أبدٍ لا ينقضي» مجموعة شعرية جديدة للشاعر اللبناني شربل داغر، صدرت في 144 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة «براءات» التي تصدرها الدار منتصرةً فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
من الكتاب:
هي لحظةٌ، عِشها. بين ما يمتدُّ فيها، وبين ما يسبقُها
عشْها مثلَ أبدٍ لا ينقضي، ما دام أنَّك تغورُ أو تطيرُ، من دونِ مرساةٍ أو بوصلةٍ، من دونِ عجلةٍ أو توقُّع
عشْها، من دونِ اقتصادٍ، أو إفراطٍ. بما يكفيها، ويكفيكَ، في وهجٍ ما يذوبُ، ما يتصاعدُ من الآهةِ مثلَ نشيدٍ طويلٍ،
ما يجعلُ الجسدَ منتشرًا في بهاء النشوة
عشْها، تُفَّاحةً شهيةً في ليلِ المَعصِيَة، نقطةَ حبرٍ أخيرةً في عينَي خطَّاط،
بعد الانقضاءِ، لن تكونَ هنا، لكي تتحقَّقَ من أنكَ قد غبتَ
عِشْها مثل أبدٍ لا ينقضي
التعليقات مغلقة