المعلومات أصبحت هي الثروة الحقيقية في عالم اليوم، وهناك حرب معلومات طاحنة تدور رحاها بين دول عظمى، وأشهرها بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول حقوق المعلومات والملكية الفكرية،ولعل أشهر عملية قرصنة لكشف الأسرار الرسمية تلك التي جرت في موقع (ويكليكس) الذي أنشأه جوليان أسانج ضابط الاستخبارات الأميركي السابق ونشر فيه آلاف الوثائق، فأسقط هيبة مسؤولين كبار،وجعل الأسرار الدولية الخطيرة مكشوفة أمام الناس من دون غطاء!
القراصنة الرقميون هم القوة الجديدة، وقد وصفوا بالسلطة الخامسة(The Fifth Estate) في فيلم إثارة أميركي- بريطاني أنتج عام 2013 عن موقع تسريب الأخبار والأسرار(ويكيليكس) يروي حكاية أسانج الذي أصبح مطلوباً ومطارداً وسجيناً لأنه كشف أسرار اللعبة كلها.
في العالم الرقمي الشبكي، فقد الإنسان الشعور بالأمان،ولم يعد قادراً على السيطرة على معلوماته الشخصية عندما تخرج من بين يديه وهو يملأ استمارة إلكترونية أو يجيب ب(نعم) على شروط الخصوصية عند التسجيل في أحد المواقع الإلكترونية،وهذه المعلومات الخاصة تجعلك فريسة سهلة للقراصنة والمحتالين وشركات الإعلانات،وقد تصبح ضحية لكل من يريد التطفل على أمورك الخاصة وانتهاك حرمة أسرارك!
قبل أيام،معلومات شخصية حساسة تخص آلاف المواطنين أصبحت فجأة في مهب الإنترنيت وتداولها الناس، في خرق جديد لأحد المواقع الرسمية العراقية، وهو ما يعيد إلى الأذهان عمليات الاختراق السابقة، وغياب الأمن الرقمي وسقوط الخصوصية الشخصية!
مركز الاعلام الرقمي أكد أن المؤسسات الحكومية العراقية أخفقت مجدداً في الحفاظ على أمنها الرقمي، بعد ان تم تسريب البيانات الخاصة بآلاف المتقدمين للحج، عبر الموقع الرسمي لإحدى المؤسسات،حيث كُشفت معلوماتهم الشخصية كاملة،وتسربت لعدة ساعات!
كانت مواقع حكومية مهمة قد تعرضت، قبل أشهر، إلى الاختراق من قبل مجهولين، أهمها وزارات الداخلية والدفاع والصحة والنفط والتجارة والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وجهاز مكافحة الإرهاب، وشخصيات سياسية مهمة، ومن أعجبها اختراق موقع وزارة المواصلات والاتصالات، التي تُعنى بإدارة المعلومات وحمايتها،ولا شك أن تكرار هذه الظاهرة يشير إلى ضعف في إدارة تلك المواقع الإلكترونية الرسمية وعدم القدرة على حماية المعلومات الحساسة.
يذكرني هذا الموضوع بتجربة شخصية مررت بها قبل سنوات، عندما كلفتني إحدى الوزارات بتقويم موقعها الإلكتروني وتطويره، قمت أيام عدة بمتابعة الموقع ومطالعته، ووجدت أن أحدث منشور في الموقع خبر يخص نشاط الوزير قد نشر قبل ثلاثة أسابيع، ولا يوجد تحديث لمنشورات الموقع ولا وسائط متعددة ولا تفاعلية ولا نافذة للمراسلة، وهناك استمارة للجمهور معطلة لا تفتح!
كتبت تقريراً حول الموقع، وكنت غاضباً جداً وقلت: ان مدير الموقع لا يستحق العقوبة أو الطرد لفشله وجهله فحسب، ولكن يجب محاكمته وسجنه لأنه لم يلحق الضرر بالوزارة فقط وإنما أساء الى الناس المراجعين واستغفلهم واستهان بكرامتهم!
توقعت التكريم من قبل الوزارة، لأمانتي في النصيحة وقول الحقيقة، وطمحت أن يجري تكليفي بالإشراف على الموقع وتطوير إدارته من حيث التصميم والتحرير، ولكنني وجدت، بعد أسبوع، ورقة في استعلامات الوزارة تمنعني من الدخول! استفسرت من أحد الاصدقاء، فقال: أنت اتهمت مدير الموقع بالتقصير وهو ابن خالة الوكيل وزوج أخته،وكلاهما ينتميان إلى الحزب الفلاني وهو خط أحمر!
في بلد يدار بهذه العقليات ليس من الصعب أن يتم الاختراق بسهولة، ومن كل جانب، وأسهلها الاختراق الرقمي!