عبد الغفار العطوي
اهتمت النسوية بالجسد في مرحلة ما بعد الحداثة، وظهر ذلك الاهتمام في الموجة النسوية الثانية خاصة، عندما استعاد الجسد مكانته التي فقدها في عصر الحداثة في هيمنة العقل وتحكمه فيه وانزوائه في ظل العقلانية التي رأت ضرورة ان ينخرط الجسد في ثنائية مفاهيمية، اهتمام النسوية في رؤية لجسد المرأة العاري (والرجل ايضا) جاء من زوايا عدة، واتخذته موضوعا في اعمال الكثيرات من الفنانات ومؤرخات الفن اللاتي يكتبن في النقد النسوي حينما انصب النقد على الصور المرئية وبروز العري بالنسبة لجسد المرأة يشكل مفهوم الشيء الشهواني للمرأة في اللوحات التي رسمها الرجل (خاصة اللوحات المرسومة فيما بعد عصر النهضة ) وهي بالضبط تشبه الاستراتيجيات المتبعة في المواد الاباحية الخفيفة والثقافة الشعبية التي تبث الآن على التلفاز (مثل الاعلان عن مسابقات ملكات الجمال وعروض الازياء الخاصة بالملابس الداخلية للمرأة (عروض للمايوهات والبكيني) و مستحضرات التجميل التي تقتضي العري في الجسد (سواء للمرأة او الرجل) ان تحفظ النسوية على فكرة ان العري (هنا الانثوي) الذي يستخدم في اللوحات الفنية من خلال التخيل الرجالي موجها لفئة من الرجال، اي ان الصور هذه تخبرنا عن الخيالات والرغبات عند الرجال الذين يميلون الى للنساء اكثر مما تخبرنا عن جسد المرأة اوالميل الجنسي عنها لأن الجسد العاري للمرأة يمتاز بحقيقته وهو كذلك في مفهوم الإغراء الذي تعول عليه المرأة، لكن النسوية لا ترى سوى التقزز في ان يكون لجسد المرأة حدود خارج ذاتها، و ترى الناقدة النسوية الفرنسية جوليا كرستيفا ان الذات الفردية يجب ان تؤكد على استقلالها وان ترفض كل ما يهدد إحساسها بالذاتية الفريدة المستقلة لكي تتخذ موقعا لها في النظام الرمزي و تعرف كرستيفا النظام الرمزي بأنه اصطلاح استخدمه جاك لاكان في اعماله ويرى في معناه دخول الطفل في الثقافة نفسها والى اللغة وترى النسوية ان النظام الرمزي يساوي النظام الابوي وبما ان الجسد وفق رؤية فوكو هو الموقع الذي تؤدى عليه الخطابات وعليه ايضا يتم تجنبها فالجسد يشكل قيمة بحد ذاتها و لا يكتفي ان يتحول الى موضوع لهذا يقاس الجسد من كونه خطابا يتحدى المؤسسة باعتباره وهو عار يمثل حقيقنه فقط، فالعري بالنسبة له لا يعطي دلالة سيئة، لأن العري في الجسد هو حقيقته، ولعل الصراع مع السلطة في نظر فوكو هو على الجسد حيث بدلا من ان يرسم فوكو نموذجا تراتبيا لعلاقات السلطة يبدأ من اعلى ويتجه الى اسفل فاحصا طريقة قمع الدولة والمؤسسات للناس اتصور ان العري هو الذي يجعل السلطة تعمد الى تغطية عمليات قمعها بتمظهرات خارج نطاق الجسد ، لهذا نجد ان المثليين والسحاقيات يتعاملون مع الجسد كونه عاريا دون ضغوطات انواع الخطابات التي تتخذ صورة السلطة جوهرا لقمعها، فالعري في الجسد هو قمة استغفال للسلطة، و اعلى الدرجات في تبديد الخطابات التي تحاول ان تضعه في هويات متعددة، تلك الخطابات تؤكد على عدم قدرته على إيجاد هويته بمعزل عنا، لكن العري هو هوية الجسد، من زاوية اخرى يلخص بورديو في ملحق كتابه (الهيمنة الذكورية) الأسئلة التي تدور حول حركة الرجال المثليين والسحاقيات، وهي تطرح في آن واحد، ضمنيا عبر وجودها وافعالها الرمزية، وعلنيا عبر خطاباتها و النظريات التي تنتجها او التي تسهم في وجودها، عددا معينا من المسائل التي تعتبر من بين اكثر المسائل اهمية للعلوم الاجتماعية، التي تثير فضول و شهية في اكتشاف ان تلكما الحركتين وهما تؤيدان صور الرفض والتمرد في المجتمعات التي نشأت فيها، تضعان العري صيغة من صيغ التلذذ بالجسد دون التطلع لخارجه، لأنهما لا تعترفان بأي شكل من اشكال الهيمنة و العنف الرمزي، فأصل التلذذ في الجسد المثلي و السحاقي نابع من العري، و القيمة الجنسية التي يبعثها الجسد المثلي او السحاقي لا تهتم إلا بالهوية الجنسية، والنسوية السحاقية التي تنضم الى النسوية الراديكالية اطلقت منتصف السبعينيات من القرن العشرين دعوة الى السحاق السياسي على اساس ان الميل الى الجنس الآخر كمعيار اجتماعي ليس إلا دليلا يؤكد على قمع المرأة و لخاصية العري في الجسد قدرة على صياغة الخطابات التي تريد إيصالها تلك النسوية، وفي تاريخ الجسد كشوفات في التمييز في ان قيمة العري الجمالية من الوظائف المهمة التي طورت رؤية الإنسان لجسده وفق محصلة إبراز الاستخدام المثالي له ، أي إعطاء الفرصة في تغطية حاجات الجسد جميعها بما فيها العري على اعتبار ان الجسد الحقيقي هو الشيء الطبيعي او المادي نفسه، وما كنا بصدده هو مجرد تقسيمات ثقافية متنوعة للجسد.