في الوقت الذي يسعى الجميع الى تحرير المؤسسة السياسية المتمثلة بالحكومة والبرلمان من هيمنة المحاصصة الطائفية والتوافق السياسي واللجوء الى الخيار الأكثر عقلانية ومقبولية وهو خيار الكفاءة والنزاهة في اختيار المسؤولين، ثمة اتجاه نحو ترسيخ فكرة التوافق الطائفي والمذهبي، وتوريط أهم مؤسسة في الدولة العراقية وهي المحكمة الاتحادية التي تتولى مسؤولية الحفاظ على كيان الدولة وتقف بالضد من محاولات خرق القانون والدستور وحماية المصلحة العامة.
تلك المؤسسة التي ينبغي أن تكون مهنية بحتة، واختيار اعضائها على وفق الكفاءة والنزاهة والاستحقاق، وإلا فإن زحف التوافق السياسي نحوها، يؤدي الى تخريب تلك المؤسسة. وللأسف هذا ما تسعى إليه بعض الكتل السياسية التي تتبنى مشروع قانون المحكمة الاتحادية المعروض على مجلس النواب والمنشور في موقع المجلس.. والمادة 4 من مشروع القانون، تصرح وبشكل مباشر على مراعاة التوازن الدستوري بين مكونات الشعب العراقي في تشكيل المحكمة، في الوقت الذي لا يوجد أي سند في الدستور، يؤسس لمفهوم التوازن، بل العكس، الدستور، يؤسس لتشكيل مؤسسات تعتمد في تشكيلها على كفاءة العضو وأهليته العملية والقانونية ومدى توفر الشروط القانونية فيه، ومدى قدرته على تبوء منصب القضاء في المحكمة الاتحادية التي تمارس أخطر وظيفة في الدولة العراقية. وقبل المادة 4، تنص المادة 2 على أن اعضاء المحكمة 13 عضوا 11 أعضاء ورئيس ونائب للرئيس.. ومن ضمن الأعضاء، 4 خبراء في الفقه الإسلامي وعضوان من فقهاء القانون..
ويبدو أن علة وجود الخبراء اضافة لتطبيق المادة 92 ثانيا من الدستور التي نصت على وجود الخبراء، هو لكون ان الدستور نص على عدم جواز تشريع قانون يخالف مبادئ الشريعة الاسلامية ومبادئ الديمقراطية، إذ أن وجود خبراء الفقه الاسلامي هو لأخذ رأيهم في حال عرض دعوى تخص الطعن بمخالفة نص قانوني لمبادئ الشريعة الاسلامية وفقهاء القانون، لأخذ رأيهم في حال عرض دعوى لغرض الطعن بنص قانوني يخالف مبادئ الديمقراطية.. ولكن المشكلة تكمن في أن هناك الكثير من الدعاوى التي ترفع للمحكمة وطلبات تفسير نصوص الدستور وغيرها، منح مشروع القانون، فقهاء الشريعة والقانون، صلاحية التصويت عليها، حالهم حال القضاة، أصحاب الاختصاص الأصيل، كما أن وجود هذا العدد من الخبراء، وهو تقريبا نصف عدد الأعضاء، يعني أن المحكمة الاتحادية ستدار من قبل أعضاء غير مختصين، ولم يمارسوا العمل القضائي وبعضهم لا علاقة له بالقانون، ولم يتخرج من المعهد القضائي..
فكيف يمكن أن يكون احد أعضاء المحكمة التي تتولى الرقابة على الدستور وتفسير نصوصه، لا يملك من المؤهلات، سوى أنه مرشح من قبل الوقف الشيعي أو السني، ويملك خبرة في البحث والتدريس مدة لا تقل عن 15 سنة، مقابل عضو آخر ( قاض) تخرج من المعهد القضائي ومارس القضاء في المحاكم العراقية، يكون صوته مساويا لصوت الفقيه؟ وما هي المعايير التي يمكن لشخص له خبرة في البحث والتدريس أن يصوت على دستورية قانون من عدمه؟ وهل مصطلح التوازن الدستوري الذي ورد في مشروع القانون، يعني أن مقدرات المحكمة الاتحادية، ستكون بيد أشخاص غير مختصين بالقانون؟
ابعدوا أهم وأخطر مؤسسة حكومية عن الطائفية.
سلام مكي