الوقت ما زال مبكرا للحكم من الرابح والخاسر..
روبن اكواني
ترجمة ـ سناء علي:
وصفت وسائل الإعلام الغربية الانتخابات المحلية التركية بأنها “هزيمة” لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ووصفها آخرون بأنها “استفتاء على أردوغان “، كما وصفها البعض بالصفعة لأن الساسة المحافظين يخسرون لأول مرة منذ 25 عاماً، أي حتى قبل تأسيس حزب العدالة والتنمية، السيطرة على العاصمة أنقرة لصالح المعارضة اليسارية في حزب الشعب الجمهوري، ليوجه ذلك صفعة على وجه الحزب الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكانت نتائج إسطنبول متقاربة جداً حتى الآن.
هذه النتائج كانت قد وضعت حزب الشعب الجمهوري في المقدمة، غير أن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية طلبت إعادة فرز الأصوات، نظراً إلى أن رئيس الوزراء السابق والمرشح لمنصب العمدة بن علي يلدريم يزعم أن هناك ما يقرب من 300 ألف صوت باطل في إسطنبول.
النقاد يحاولون وصف هذه الانتخابات بأنها بداية النهاية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، سيما والأرقام غير الرسمية تشير إلى أن ثلاثاً من المدن الكبرى صارت الآن في جعبة حزب الشعب الجمهوري (طالما كانت مدينة إزمير الساحلية معقلاً لحزب الشعب الجمهوري).
ومن هنا توضح المؤشرات الحالية أن الرابح في هذه الانتخابات هي العملية الديمقراطية للبلاد. بالرغم من تكرار وصف تركيا بأنها “تنحدر نحو الاستبدادية”، خاصة ان النتائج توضح نسبة المشاركة في التصويت التي بلغت 84% , وهو ما يقودنا الى ان نقول أن الديمقراطية في تركيا يصعب أن توصف بأنها في خطر.
نقاط رئيسية
سوف يجري الطعن على نتائج الانتخابات لأيام أخرى، وهو شيء ليس غريباً في أي انتخابات تجري في أي مكان بالعالم. ولكن ثمة نقاط رئيسية تنبع من الاستحقاق الانتخابي الذي عُقد الأحد الماضي 31 مارس. يُتوقع أن تعلن اللجنة الانتخابية العليا في تركيا عن نتيجة نهائية غير رسمية في شهر نيسان الجاري .
يأتي الناخبون حول البلاد من خلفيات اقتصادية واجتماعية مختلفة، ويتبنون أيديولوجيات مختلفة، لكن القواسم المشتركة التي توحد المصوتين هي الشواغل الوطنية، وليست القضايا المحلية. عبّر الناخبون عن شواغلهم المتعلقة بالاقتصاد وقضايا الأمن الوطني.
وهذا هو ما أضفى على الانتخابات المحلية التي عُقدت الأحد شعوراً بأنها انتخابات عامة.
وكانت الخطابات التي أطلقتها الحملات الانتخابية لجميع الجوانب متركزة بدرجة كبيرة على فكرة حماية سيادة الدولة، وهو شعار نادراً ما يسمعه المرء في أي انتخابات محلية.
- عن موقع الفورين بوليسي
إضافة إلى أنهم لا يزالون يسيطرون على غالبية المناطق في إسطنبول وأنقرة. فيصعب الإشارة إلى أن حزب الشعب الجمهوري حصل على النسبة الأكبر من الأصوات في جميع أنحاء البلاد. وبدلاً من هذا، يبدو أن النسبة الأكبر من الأصوات تشير إلى وجود مواجهة بين شاطئ متعدد الخلفيات وخليج غير متعدد الخلفيات يتسع بمرور الوقت.
يعتبر تصوير السياسات التركية باللونين الأبيض والأسود فقط مضللاً وغير دقيق. ولنبدأ بالحقيقة التي تقول إن المصوتين لم يغفلوا عن المفارقة التي حملها اسم مرشح حزب الشعب الجمهوري: أكرم إمام أوغلو (إمام أوغلو تعني ابن الإمام).
ففي واقع الأمر، يُعزى نجاح حزب الشعب الجمهوري في انتخابات الأحد إلى قدرته على الوصول إلى أحياء إسطنبول المحافظة، وهي قاعدة انتخابية كان من المتعذر الوصول إليها بالنسبة لهم.
وقد حققوا ذلك بدرجة كبيرة عن طريق التخلي عن المعتقدات الصارمة للحزب، واختيار المرشحين استناداً إلى الحسابات الموجهة نحو النتائج، بغض النظر عن الأيديولوجيات، وتحويل دفة الحزب بعيداً عن يسار الطيف السياسي والاقتراب من الوسط.
رأى المصوتون أن كثيراً من مرشحي حزب الشعب الجمهوري كانوا مرتبطين من قبل بحزب العدالة والتنمية. ففي أنقرة، كان المرشح لمنصب عمدة المدينة منصور يافاش عضواً سابقاً في حزب الحركة القومية -شريك حزب العدالة والتنمية في تحالف الجمهور- إضافة إلى أن اسمه ارتبط على نطاق واسع بالجناح اليميني.
زاد حزب الشعب الجمهوري أيضاً من الخطابات الدينية خلال الدورة الانتخابية، ليدير حملة على طراز حملات العدالة والتنمية من أجل الوصول إلى المصوتين المحافظين. ويبدو أن هذا الاتجاه سوف يستمر بعد الانتخابات؛ فقد سُرب فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لخدمة هذا الغرض، ويظهر فيه مرشح أنقرة يوسف يافاش وفريقه وهم يحتفلون بـ «التكبير».
بالرغم من أن انتخابات الأحد شكلت انتصاراً لحزب الشعب الجمهوري، يصعب اعتبار ذلك اكتساحاً من أجل التغيير. كان حزب الشعب الجمهوري ناجحاً، لكن نجاح الحزب لا ينبغي تضخيمه، وسيكون من التهور المطالبة بعقد انتخابات مبكرة للطعن في شرعية الحزب الحاكم.
ففي نهاية المطاف، لا يزال حزب العدالة التنمية يحظى بالمركز الأول في الانتخابات في 15 استحقاق انتخابي متتالٍ، بالإضافة إلى أن نسبة الدعم التي حصل عليها تحالفهم مع حزب الحركة القومية التي وصلت إلى 51.2%، تكفي لضمان اكتساحه الانتخابات العامة، بل ومن الممكن أن تمنح حزب العدالة والتنمية أغلبية ساحقة داخل البرلمان.
لذا فإن النتائج تمثل تذكيراً مشجعاً للناخبين الأتراك بأنهم مَن يمثلون النظام المطلق للضوابط والموازين.
في حين كانت جميع الأنظار متجهة إلى إسطنبول وأنقرة ليلة الأحد الماضي ، كان ثمة قصة أخرى تكشف عن نفسها في جنوب شرقي تركيا، وهي منطقة تعتبر معقلاً من معاقل مؤيدي حزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد.
إذ فاجأ المصوتون حزب الشعب الديمقراطي بهزائم صادمة، ملونين مدن شرناق وبدليس وأغري باللون البرتقالي لحزب العدالة والتنمية في الخرائط الانتخابية، في حين صمد حزب الشعب في ديار بكر ومعاقل أخرى مثل سعرت وهكاري وماردين ووان. وقد ظهرت المفاجأة الصادمة الكبيرة الأخرى في مدينة تونجلي، عندما هزم مرشح الحزب الشيوعي التركي صاحبَ المقعد البرلماني المنتمي لحزب الشعب الديمقراطي، ليعطي بذلك الحزب الشيوعي أول مقعد حكومي له في تاريخه البالغ 26 عاماً.
ويعد تصويت منح الثقة لأردوغان وحزب العدالة من قبل الأكراد مهماً على نحو خاص، إذ يأتي في وقت تنتقد فيه الولايات المتحدة السياسات التركية في شمالي سوريا، وتزعم أنَّ تركيا تهدف إلى «ذبح الأكراد» من خلال عملية عسكرية في المنطقة.
بعد 15 انتخاباً في 17 عاماً، تدخل تركيا فترة من الهدوء الانتخابي مع عدم وجود انتخابات متوقعة على مدار الأعوام الأربعة والنصف القادمة. ولما كانت الحكومة قد تحملت إجهاداً انتخابياً فمن شأن هذه الفرصة أن تسمح لحزب العدالة والتنمية بتنفيذ إصلاحات ضرورية للغاية.
وقد أظهر خطاب أردوغان الذي صيغ بعناية، أنَّ الرئيس قد فهم هذه الرسالة، إذ تحدث عن الحاجة إلى إعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية، والإصلاحات الهيكلية، وتحدث عن بنية اقتصادية جديدة، وعن البطالة والأمن وسوريا، واتسم الخطاب بالتأمل الذاتي أيضاً.
إذ تعهد أردوغان في خطابه قائلاً: «بدءاً من صباح الغد، سوف نبدأ في البحث عن عيوبنا وعلاجها… لن تكون هناك انتخابات لأربع سنوات ونصف السنة. ما الذي سوف نفعله؟ سوف نركز على القضايا الوطنية والدولية، ونأمل في رفع بلادنا فوق مستوى معاصرينا».