التربوي الدكتور هاشم المشهداني: العلم لا يتوقف عند زمان ومكان معينين بل هو في تجدد دائم ومستمر
حاوره: د. خالد القيسي
- من وجهة نظركم إمكانية تطوير العلوم الشرعية، من ناحية تجديدية على وفق رؤية حداثوية ، وخاصة أنك قد اشرفت وناقشت الكثير من رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه؟
- العلم لا يتوقف عند زمان ومكان معينين، بل هو في تجدد دائم ومستمر، وخاصة العلوم الشرعية الاسلامية، من ناحية استنباط الاحكام الشرعية من ادلتها، وهي تراعي احوال الناس وحكم زمانهم، فالتفاسير مثلا في تجدد مستمر والى الان تؤلف كتب التفسير، وكذلك بالنسبة للمسائل الفقهية، وغيرها من العلوم، فهو علم صالح لكل زمان ومكان، فلا شك بأن هذه العلوم كلها وبضمنها ايضا رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه تشكل بحرا زاخرا مفيدا من العلوم النافعة التي تفيد البشرية جمعاء من جميع النواحي الثقافية والعلمية، والدنيوية كذلك.
- كيف ترى عمليا البناء الصحيح للاسرة وسط المتغيرات الحديثة، وخاصة عند دخول التكنولوجيا الحديثة من مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، والتي احدثت ثأثيرا كبيرا على البناء الاسري الصحيح، وخاصة ونحن نرى كثرة حالات الطلاق، وانتشار المفاسد الاخلاقية الاخرى في المجتمع؟
- الدين الاسلامي لم يترك مجالا من مجالات الحياة كافة، الا وقد ضع له حصانة ومنهجا مناسبا له، فبالنسبة للبناء الاسري اعطى اولوية الدين بالنسبة للرجل في اختيار الزوجة الصالحة المناسبة لتكوين اسرة صحية، فان اجتمع الدين مع المال او الجمال او النسب ، فذلك خير على خير، والا فالدين له الاولوية، كما قال الرسول (ص) (تنكح المرأة لاربع: لمالها ولجمالها ولنسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك)، واما بالنسبة للمرأة في اختيار الزوج المناسب لها لتكوين اسرة صحيحة، فقد قال الرسول (ص) (ان جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، والا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير) ، فجعل دين واخلاق الرجل هما المعيار الاول الرئيس للزواج، فالدين وحده لا يكفي، فقد يصلي الرجل ويصوم ولكنه عاقٌ لوالديه، فان اجتمع مع الدين والخلق، المال، او النسب فذلك خير على خير، والوصايا الشرعية في اكرام الرجل للمرأة، وطاعة المرأة لزوجها كثيرة جدا، ولا ننسى ايضا مع كل ذلك ايضا التربية الصحيحة للاولاد ومتابعتهم، والاشراف عليهم لغاية بلوغهم، فلو كل أسرة من الاسر التزمت بهذه المعايير لما وصل حال التفتيت الاسري الى ما نحن عليه، ورحم الله الحسن بن علي رضي الله عنهما حينما اتاه رجل فسأله: (يا ابا محمد، لمن أزوج ابنتي؟ فقال رضي الله عنه: زوجها للتقي، فانه ان رضي عنها أكرمها، وأن غضب منها لا يظلمها).
والمفروض ان تسهم التكنولوجيا الحديثة في أفادة العملية التربوية بشكل عام في المجتمع، لو تم استعمالها وتوجيهها بالشكل الصحيح، فيمكنك استقبال ونقل المعلومة بشكل سريع وسهل، بعكس ما كان في السابق ولكن للاسف وبغياب هذه المعايير المذكورة فقد تم استغلالها في الجانب السلبي كما ذكرت أنفا. - ما هو تشخيصك لحال المؤسسة التعليمية في مجال التربية والتعليم، وما هو الفرق برأيك بين طالب الامس، وطالب اليوم؟ واين تشخص مواطن الضعف والخلل، وخاصة باننا نرى تراجع نسبة التعليم، وانتشار الامية والتخلف في المجتمع؟
- العملية التربوية تقام على ثلاثة اركان، الاستاذ والمنهج والطالب، فللاسف قد وقع خلل كبير في هذه الاركان في الفترة الحالية، فالمنهج هو غير مناسب للفئة العمرية المحددة له، او هو منهج غير مناسب لبيئة الطالب، فلا يستطيع استيعابها، اما بالنسبة للمعلم او المربي فهم على الاغلب غير مهيئين بشكل صحيح لهذه العملية، وللاسف فان كليات المعلمين تقبل اضعف المعدلات، وهذا عكس تماما ما موجود في الدول المتقدمة، فالمعلمون والمربون لديهم يجب ان تكون معدلاتهم وشهاداتهم عالية، فمن شروط المعلم الذي يدرس لديهم بالروضة مثلا ان يكون حاصلا على شهادة الدكتوراه، لان عندهم مراحل الروضة والابتدائية هي الاساس في البناء الاخلاقي والثقافي والعلمي والمعرفي للطالب.
فالطالب لدينا قد يصل الى مرحلة الكلية، وهو ضعيف حتى بالكتابة، ولا يتقن ابسط القواعد النحوية الخاصة باللغة العربية، وهناك ضعف ايضا في مواطن الاخلاق والسلوك، فالمعلم يقع على عاتقه الاهتمام ومراعاة الجانب الاخلاقي أولا ثم الجانب العلمي ثانيا، فالجانب الاخلاقي يشمل المعلم ايضا في اظهار الوجه الاخلاقي الحسن للطلاب، ليكون قدوة لهم ويغرس في نفوسهم هذا الخلق الرفيع، ولا ننسى الاهتمام بالمدرسة ، ﻷن المدرسة هي بيت الطالب الثاني.
ويجب ان تكون هناك مساع جدية في تحسين الواقع التعليمي ان تكون هناك بوادر لإصلاح هذه الثغرات الكبيرة، والتي من دونها قد يصل حال هبوط التعليم في المجتمع الى مستويات مخيفة وخطرة، ولا ننسى ايضا ان ترتيب بلدنا في مجال التعليم على وفق المقاييس العالمية هو في مستوى متدن جدا. - من خلال ذكرك لهذه الفقرة الاخيرة، ما هي الخطوات العملية الصحيحة التي يجب تطبيقها لإصلاح ما تم افساده حاليا؟
- يجب البدء من القمة، من خلال تطبيق مبادئ الحديث الشريف: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…) الحديث، فيجب ان يبدأ التغيير نحو الاصلاح من الاعلى ، نزولا الى رب الاسرة، ولا أقصد بالتغيير هنا هو تغيير الوجوه والاشخاص في السلطة، وانما اقصد به تغيير المنهج والقوانين لتتلاءم وتتطور وتنهض بالواقع التربوي والبيئي والمعيشي للمجتمع من جميع النواحي، والتمسك بالدين والاخلاق الفاضلة، ونشر العدالة الاجتماعية، وجعلها هي اساس حكم المجتمع ككل.
وكذلك التركيز على التربية الاسرية في المنزل، من خلال تطبيق منهج الدين الاسلامي الصحيح، كالسعي الى الرزق الحلال، والابتعاد عن المعاصي، والمعاشرة الزوجية الصحيحة من قبل الاب والام فيما بينهما، وزرع المفاهيم الاخلاقية والدينية الصحيحة في نفوس ابنائهم منذ نعومة اظفارهم، حتى ينشأوا نشأة صحيحة، والتي من خلالها يتم اصلاح المجتمع ككل، ﻷن الاسرة هي نواة المجتمع الاساسية.