يعدها انتهاكاً مباشراً للقرارات الدولية
متابعة ـ الصباح الجديد:
أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعمة للسيادة الإسرائيلية على الجولان حفيظة المجتمع الدولي، وفيما تصاعدت لهجات التنديد والاستنكار، اعتبرت روسيا ودول أخرى ان مثل هذه الدعوات تزعزع استقرار المنطقة والشرق الأوسط، كما وحد مواقف المعارضة والنظام في سوريا برفض اعلان ترامب.
و حذر الكرملين من أن «مثل هذه الدعوات تهدد بزعزعة الاستقرار» معرباً عن أمله في أن تبقى في إطار الدعوات فقط، فيما قالت الخارجية الروسية إن تغيير صفة مرتفعات الجولان بالالتفاف على مجلس الأمن يعد انتهاكاً مباشراً للقرارات الدولية.
وأكد الاتحاد الأوروبي موقفه الثابت في رفض الاعتراف بالجولان جزءاً من أراضي إسرائيل. فيما قالت ناطقة باسم الخارجية الفرنسية امس الاول (الجمعة) ان الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان يناقض القانون الدولي، خصوصاً ان من واجب الدول عدم الاعتراف بوضع غير شرعي.
وقالت ان الجولان ارض احتلتها اسرائيل منذ ١٩٦٧ وفرنسا لا تعترف بضم اسرائيل الجولان في ١٩٨١ وان هذا الوضع اعتبر باطلاً ولاغياً من قرارات عدة في مجلس الامن، وخصوصاً القرار ٤٩٧ لمجلس الامن.
وقالت جامعة الدول العربية أن أي «اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان سيمثل ردة خطيرة في موقف الولايات المتحدة من الصراع العربي- الإسرائيلي»، وأكدت تركيا أنها مع وحدة وسلامة الأراضي السورية ولن تسمح مطلقاً بشرعنة احتلال مرتفعات الجولان. وندد النظام السوري بتصريح ترامب «غير المسؤول» والذي يعكس «إزدراء الشرعية الدولية». وأكد عزمه على تحرير المنطقة «بكل الوسائل المتاحة».
وقال الإئتلاف السوري المعارض إن «مجرد تفكير أي جهة في الاعتراف بشرعية الاحتلال والاستيلاء على الأراضي بالقوة العسكرية يمثل خرقاً للقانون الدولي وتكريساً لشريعة الغاب»، مشدداً على أن «حقوق الشعوب والشرعية الدولية والقانون الدولي ليست ميداناً لتمرير مخططات ومصالح انتخابية، ولا مزايدات وألاعيب سياسية».
وبعد ساعات على تغريدة قال فيها إنه «بعد 52 عاماً، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي».
قال ترامب في لقاء مع قناة «فوكس» الأميركية: «فكرت بفعل ذلك منذ فترة طويلة (الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل). وهذا كان قراراً صعباً بالنسبة لكل الرؤساء، ولم يقم أي واحد منهم بذلك. وهذا يشبه مسألة القدس وأنا قمت بذلك». ونفى ترامب سعيه إلى مساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في حملته الانتخابية بإطلاق هذا التصريح.
دعم لنتانياهو
قبل الانتخابات
ويمثل الإعلان تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية منذ احتلال الجولان في 1967 وإعلان إسرائيل ضمه في 1981 في قرار لم يحظ بأي دعم دولي، وسيعطي دفعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في حملته للفوز بفترة جديدة في السلطة في انتخابات التاسع من نيسان المقبل.
وجاءت تصريحات ترامب قبل نحو أسبوع من زيارة نتانياهو واشنطن للقاء الرئيس ترامب، وإلقاء كلمة أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، وتعد هذه التصريحات أقوى دعم علني يقدمه ترامب حتى الآن على ما يبدو لمساعدة نتانياهو في سباق انتخابي محتدم قبل الانتخابات العامة في وقت يواجه فيه مزاعم فساد. وينفي نتانياهو ارتكاب أي مخالفات.
وامتدحت إسرائيل خطوة ترامب، وشكرت، وقال نتانياهو «إنه (ترامب) صنع تاريخاً»، وزاد في تغريدة على «تويتر» أنه «في وقت تسعى فيه إيران لاستخدام سورية منصة لتدمير إسرائيل، يقدم الرئيس ترامب بشجاعة على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. شكراً الرئيس ترامب».
وفي المقابل انتقدت جماعة الضغط «جيه ستريت» الليبرالية اليهودية-الأميركية تحرك ترامب، وقالت إن هذا الاعتراف الأميركي السابق لأوانه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان خطوة استفزازية لا حاجة لها وتنتهك القانون الدولي، وقال جيريمي بن عامي رئيس الجماعة: «من الواضح أن هذه الخطوة التي اتخذها ترامب لا ترتبط بالمصالح طويلة الأمد للولايات المتحدة أو إسرائيل لكنها ترتبط أكثر بتقديم هدية سياسية أخرى لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على أمل دعم فرصه في انتخابه لفترة جديدة الشهر المقبل». وقد يساعد الإعلان بشأن الجولان الرئيس الأميركي في تحسين موقفه في اللوبي المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة بخاصة بين أعضاء قاعدته من المسيحيين الإنجيليين قبل المؤتمر السنوي لـ»أيباك»، أقوى جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، المقرر الأسبوع المقبل.
وكشف مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن ترامب بحث خطوة الجولان في الأيام القليلة الماضية مع وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ومستشاره وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. وأكد المسؤول في تصريحات لوكالة «رويترز» أن «الجميع أيدوا الفكرة»، لكن البيت الأبيض لم يوضح متى ستصدر وثائق رسمية تؤكد ما أعلنه ترامب على «تويتر».
وفي القاهرة، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن أي اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان سيمثل ردة خطيرة في موقف الولايات المتحدة من الصراع العربي الإسرائيلي. وأكد أبو الغيط في تصريحات الخميس الماضي أن «الجامعة العربية تقف بالكامل وراء الحق السوري في أرضه المحتلة، ولدينا موقف واضح مبني على قرارات في هذا الشأن، وهو موقف لا يتأثر إطلاقاً بالموقف من الأزمة في سورية».
من جانبها، أكدت الأمم المتحدة أنها لا تزال ملتزمة بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي تنص على أن الجولان السوري محتل من قبل إسرائيل. وقال نائب الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق في تصريحات من نيويورك إن تبعية الجولان لإسرائيل «عمل غير شرعي» وفق القانون الدولي.
وأعلن الاتحاد الأوروبي رفضه الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وقالت مايا كوسيانتشيتش الناطقة باسم رئيسة الديبلوماسية الأوروبية، إن موقف الاتحاد الأوروبي حيال تبعية الجولان «لم يتغير» موضحة أن الاتحاد الأوروبي «لا يعترف وفق القانون الدولي بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة منذ حزيران (يونيو) 1967، بما فيها مرتفعات الجولان، ولا يعدها جزءاً من الأراضي الإسرائيلية».
تحذير من زعزعة الإستقرار ورفض لشرعنة الإحتلال
وقال الكرملين إنه لا يزال يأمل بأن تظل دعوة ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان مجرد «دعوة»، وذكر الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «إنها مجرد دعوة حتى الآن. دعونا نأمل أن تظل كذلك»، محذراً من أن «مثل هذه الدعوات يمكن أن تؤدي إلى استمرار زعزعة الوضع المتوتر في الشرق الأوسط في شكل جدي»، وزاد: «في أي حال من الأحوال لا تتفق هذه الفكرة بصورة أو أخرى مع أهداف التسوية في الشرق الأوسط، بل على العكس». أما الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فأشارت إلى أن روسيا «تتبنى موقفاً مبدئياً من تبعية الجولان لسورية. وهذا ما يؤكده القرار الرقم 497 الدولي لعام 1981»، مشددة على أن موسكو لا تزال تنظر الى قرار إسرائيل ضم الجولان في 1981 على أنه قرار غير شرعي. وأكدت أن «تغيير صفة مرتفعات الجولان بالالتفاف على مجلس الأمن يعد انتهاكاً مباشراً للقرارات الدولية.
وفي كلمة أثناء الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول لبحث تداعيات مجزرة المسجدين في نيوزيلندا، انتقد الرئيس التركي رجب أردوغان موقف نظيره الأميركي دونالد ترامب، الداعي للاعتراف بـ»السيادة الكاملة» لإسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وقال: «لن نسمح إطلاقاً بشرعنة احتلال مرتفعات الجولان. تصريح ترامب حول مرتفعات الجولان يجر المنطقة إلى حافة أزمة جديدة».
أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فقال في تغريدة على «تويتر» إن بلاده «تدعم وحدة الأراضي السورية»، محذراً من أن «محاولات واشنطن إضفاء الشرعية على أفعال إسرائيل غير القانونية لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف في المنطقة».
ونقل التلفزيون الرسمي عن ناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية قوله إن «هذا الاعتراف غير المشروع وغير المقبول لا يغير حقيقة أنها تنتمي الى سورية».
النظام والمعارضة يرفضان
وفي بيان نشرته وكالة «سانا» التابعة للنظام، نددت وزارة الخارجية السورية بتصريحات ترامب. ونقلت الوكالة عن مصدر في الخارجية قوله إن «تصريحات الرئيس الأميركي تؤكد مجدداً انحياز الولايات المتحدة الأعمى لإسرائيل لكنها لن تغير أبداً من حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربياً سورياً». وذكر المصدر أن الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميماً وإصراراً على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري بكل الوسائل المتاحة»، وخلص المصدر إلى أن أن تصريح ترامب «لا مسؤول» ويعكس «ازدراء للشرعية الدولية».
وفي بيان تلقت «الحياة» نسخة منه قال الإئتلاف إن تصريح ترامب يعد «مخالفاً لقرارات مجلس الأمن، ومنها القرار الرقم 497 للعام 1981 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلاثين من تشرين ثاني (نوفمبر) 2018 بخصوص الجولان السوري المحتل»،
وأكد البيان أن «المس بحقوق الشعب السوري وسيادته على كامل أراضيه هو أمر مدان، ولن يكون مقبولاً بأي شكل من الأشكال، كما أنه فتح أبواب الصراع في المنطقة، وطريقاً مباشراً نحو تقويض أسس القانون الدولي والقرارات الدولية، كما أنه خرق للمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة، وبخاصة عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة». وحذر الإئتلاف «المجتمع الدولي من مغبة السكوت عن أي تلميحات تتعلق بوحدة وسلامة الأراضي السورية، ومن مآلات مثل هذه التلميحات على مستقبل المنطقة وعملية السلام والمنظمة الدولية».