عادل الصفار
قوة التفاؤل عادة تعزز فينا الأمل لتحقيق ما نصبو اليه، فبرغم قساوة الظروف نتحدى الصعاب محاولين تذليل المعوقات. لكن حين تتقطع بنا السبل بعد التكرار المستمر لمحاولات فاشلة تستنزف حيوية الجسد لتضعنا في عتمة اليأس وقد اعترتنا مشاعر الإحباط، عندها لا يكون عزاؤنا الا من خلال التأمل فيما سطره الادباء والحكماء من مقولات ونصوص، وانني المح شعاع الأمل بين صفحات مجموعة «في حضن التوت.. رسائل خانها البريد» للكاتبة الفلسطينية انوار الانوار يكاد يمزق عتمة اليأس لتولد الحياة من رحم الموت الذي يسحق تحت وطأة الحب فيجعل الخريف يتنفس نسائم ربيع يعبق بشذى عاشقين يصغيان الى أوركسترا من الطبيعة مصدرها تكسر الأوراق اليابسة تحت اقدامهما، الحبيبة منتشية ترى الأوراق اليابسة تتجمع عند ساق الشجرة العارية لتكون غذاء لها فتورق من جديدٍ. في عالم انوار الانوار لا يوجد معنى للموت مع الحب، حياة متواصلة تنتقل مع الانسان من عالم لآخر خارج حدود الجسد والمادة، الحب يشكل ملامح الاشياء ويحفزها لتنمو وتزهو ألوانها ويعبق عطرها وتعزف الحانها، ومن دون الحب كل الأشياء مقيتة ميتة متعفنة، فلا حياة مع اليأس والتكبر والغيرة والحسد والخضوع للمادة مهما كانت ثمينة وجميلة فهي زائلة والحب باق، وهذا ما تؤكده الكاتبة في قصة «عناق احلامي «انشغلت بالأموات عنك. المساكين، يحسبون أنفسهم أحياء لمجرّد أنهم يأكلون. وحدك الحيّ فيّ منذ اخترتَ ذاك القبر بديلا عن سريرك». لذلك فهي تحاول امام الآخرين ان تبدو غير متأثرة لموت ابيها في قصة «امام لوحتك الأخيرة» كانت تعد نفسها لمشهد الرحيل الذي هو بالنسبة اليها فراقاً وليس موتاً «لم أبكك يوم سجّيتَ ها هنا. لم أصرخ ولم أذرف دمعا.. نظراتهم ما زالت تلاحقني بألف سؤال كيف ملكت أن أبدوَ بتلك القسوة» وتستمر علاقتها به وهي تخاطبه» أخالك تعود شابا، بل وعاشقا أيضا.. لا تخشَ شيئا (يابا) لن أفشي أسرارك إن كنتَ تصاحب حورية» والمتأمل في قصتي «صمتك أيضا يلهمني» و»سيبراليكس» يلمس من خلالهما ما تقدم من حديثنا، كما يجد عكس ما اشرنا اليه في قصص مثل «رجفة الأتون» ونحوها، حتى تدخل بنا الكاتبة عوالم الغول والاستبداد والهيمنة على عقول البسطاء والفقراء من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة ليتم استغلالهم كأداة بعد تظليهم وجعلهم يعيشون أما في وهم كبير او خوف ورعب وتهديد متبعين لذلك أساليب متنوعة تسهم في اعتقادهم بان خضوعهم لأسيادهم أمان لهم ورضا لخالقهم، وهذا ما لمحناه ببعض ما تقدم، لكنها تركز عليه في قصصها الأخيرة تقول في قصة «صلاة اللعنة» وكلّنا بهدوءٍ نستسلم، ونحن نحلم بما سيكون من رضى الجميع عنّا، غيَر أنّ أكثر ما يراوغنا طيفه هو الجربوع الأكبر المبارك البعيد، وصحبه من أسيادنا ومالكي أمرنا. يأتون إلينا ليلا كما تقول العشيَرة، وتتوالد بسماتهم إن وجدونا نياما فيلقون علينا البَرَكات». ثم يظهر التمرد من قبل أخ لها يصفوه بالأخرس يحاول الترفع والسمو عن المستنقع الذي يعيشون فيه مما يجعله مصدر قلق للأسياد فهو بذلك يحرض الآخرين «قال كبيَر الأسياد الذين وقفوا مشدوهين إنه إن ارتدى ثوبَ الطاعة من جديدٍ، فسيجعله نائبا له وزعيما لمستنقعنا العظيم» لكنه لم يجب احداً ويواصل صعوده برغم كل ما يتعرض له من اذى ليغرد بعد الخرس كسنونوةٍ ويفرد جناحين شاسعين محلقا بهما نحو السماء» ونقرأ في قصة «جدي والغيلان» كاذبا كان جدّي، يجيد الحكيَ حتى إخراسنا، فنجح أن يغرسَ فينا اوهاماً كثيَرة» وعند كشف الحقيقة يكون من الصعب اقناع من تمرغت عقولهم ونفوسهم بوحل الجهل والعفونة، فلا يمكن للذبابة ان تكون نحلة، وان توهمت الوردة ذلك فعليها ان تتحول الى كومة نفايات نتنة.
ولعل ابلغ رسالة توجهها الكاتبة الى شعوب العالم عبر قصصها كما نقرأ تشير من خلال النصوص ان كرامة الوطن بأبنائه هم ثيابه التي تحمي ستره وتحفظ شرفه ليشمخ رأسه عزيزا بين اوطان العالم، فهو حبيب سهاد الذي افتقدت دفء احضانه في قصة «رعشة الدالية» وساءت احوالها «حتى مرضَت من الشّوق وحسبناها تجنّ أو تموت» الامر الذي يجعلها تتشبث بكل ما يذكرها به فتستمع الى الأغنيات التي تتحدث عنه مرددة «إن كان عناقه مستحيلاً فليعانق صوتي صوتَه على الأقل» لكنها في النهاية لا تفقد الامل فتجمع من حديقتها اجمل باقة ورد هي اثمن شيء بالنسبة لها لتجعلها هدية لعودته محررا شامخا مبتسما يحتويها بين ذراعيه فتستعيد عافيتها وتروي من احضانه ظمأها. وتبين لنا الكاتبة ان الوطن من دون أبنائه كمن يسير بين الناس عاريا «رأيناك في ذاك البرد القارس تخلع عنك كلَّ ثيابك، وتسير عاريًا ووحيدًا نحو الغابات الشائكة» ثم تشير الكاتبة الى موقف الوطن من الذين لا وطنية لهم ولا شعور بالمسؤولية فتقول «ثمّ زفرتَ أنفاسك كأنما تتخلص منك، قبل أن تعاود سيرَك صارخًا: ما أقدس العُريَ إن كانت الثياب خائنة» وفي اكثر من قصة تركز على ان الأبناء هم روح الوطن وزهوه فهو كالزرع وهم الماء النقي لديمومة حياته، فان لم يكونوا كذلك فالزرع يموت بأحواضه «كانت الآنية تلملم حسرات الورود الذابلة من غياب الماء. وكنت أراقب دمع الآنية حين سمعت نشيج العبق: لا جدوى من أيّ جمالٍ لا تعانقه عيناه».
الكاتبة في سطور
ولدت انوار الانوار المعروفة بانوار ايوب سرحان في قرية نحف بالجليل حزيران عام ١٩٧٥، حصلت على ماجستير في اللسانيات من جامعة حيفا، ولقب أول في تربية الأطفال. وأيضا عملت محررةً لموقع دروب الثقافي ولموقع أدب الأطفال العربي، ولها تجربة إذاعية عبر برنامج «وجوه ومرايا» في إذاعة فلسطين. كما تُرجمت نصوصها إلى الإنجليزية في أنطولوجيا الأدب النسويّ الفلسطيني تحت عنوان «أصوات ثائرة من الأرض المحتلة». وكانت من مؤسسي اتحاد الكتّاب الفلسطينيين وشغلت منصب أمينته العامة في دورته الأولى. كما نالت تكريم شخصية العام الثقافية 2013 عن مسيرتها الأدبية والمجتمعية.