بغداد ـ سلمى الجُميلي
ثلاث فتيات بربيع العمر اجتمعن حول طاولة واتخذن منها موطناً، احتوتهن بودٍ ووئام رغم فارق الظروف والعمر.. فحين يحملن مضرب تنس الطاولة تتلاشى أمامهن كل العوائق ولا يبقى سوى نهج الشجاعة الذي يأبى إلا أن ينبض داخل النفوس.
ببساطتهن شرَّعن قانونٍ يختلف عن السائد، محوره أن ليس ثَمّ حب أعظم من حب الحياة، وليس ثمّ عز اسما من عزةِ الذات.. كُنَّ كتاب يحمل بين طياته رسائل معنوية يبعثن بها لكل من يُلقي عليهن تحية النهار .. كتابٌ متجدد المعاني استوحيت كلماته من أبجديةٍ لا يُعرف لبحر أقلامها نفاد.. كل من يراهن يقرأ بنظراتِ العيون معنىً جديداً للتحدي ومنال المراد..
وبرغم براءتهن ونعومة أناملهن أثبتن أن القوة لا تلبث بين ثنايا الرجال الأشداء المرابطين في جبهات القتال فحسب, بل هي أيضا تنبع من الأفئدة التي اتخذت من الشوك بساطاً تفترشه, لترتاح من عناء الدروب, بساطٌ ربما كان لغيرهنّ ذو وخز، لكنه لهنّ كرَهفِ الحرير..
هذه صفات رفيقاتي.. هذه صفات بنات بلادي التي حاولت قوى الشر اغتيال لحظاتهن, فكان كرسيهن كالمركب المتين يشقُ أمواج الحياة العاتية ليلحقن بقافلة أبطال البارالمبية. رصاصةٌ طائشة تختار جسد هديل علي لتخترق ظهرها, في محاولة يائسة لاغتيال صوت اليمامة, وأنى يكون ذلك, فها هي اليوم ثابتة الإرادة, تزهو بالأمل تبثُ الحياة من محطة عينيها المليئة بحب الناس. وزميلتها نجلة عماد لم تردعها أسراب دخان انفجارٍ جبان افقدها كلتا ساقيها وذراعها الأيمن، واجهت قدرها بذراعٍ يتيم بكل ثبات مُدركة انه لولا ثمين جسدها ما خطف الدهر بعضه، فنراها متألقة بابتسامتها كشمس الصباح, معتزة بنفسها ترفض يدُ المساعدة، فليس لحروفِ اليأس مكان بقاموسها.
وزميلتهن الثالثة حوراء سعد, بعدما أُقعدت إثر تعرضها لانفجار قام به من ضلّ عن حب الله، ارتدت طوق الأمل لتصارع به شديد الأمواج وهي تمضي بطريقها مُعتليةً صهوة كرسيها المتحرك لتغدو فارسة هذا الزمان.
هديل، نجلاء، حوراء.. قواريرٌ ستبقى تبثُ أريج التفاؤل بكل البقاع.. من أعلى سماءٍ إلى أدنى قاع.
* إعلام اللجنة البارالمبية