صادق الازرقي:
تعد معارض الكتب احدى اهم وسائل الاتصال الثقافي بين المنتج الابداعي وبين المتلقي، وعادة ما تشهد تلك الفعاليات حضورا جماهيريا كبيرا لم يعد مقصورا على فئة المثقفين او النخب كما يقال، بل يتعدى ذلك الى الجمهور الواسع؛ وتلك بمنزلة الفرصة الثمينة للتفاعل مع الناس وجمهور الكتاب وتعزيز وشائج الصلة، وقد تنبهت حكومات العالم لذلك فعملت على ترسيخ ونشر ثقافة القراءة من جهة وتحقيق الربح المطلوب لبلدانها فيما يتعلق بالكتاب بتنويع طريقة تسويقه ارتباطا بتطورات العصر.
وعلى سبيل المثال فان ألمانيا، التي تعد أكبر سوق للكتب في الاتحاد الأوروبي، بحسب ما تصنف، طورت المكتبات فيها عملياتها للتجارة الإلكترونية، ما أدى إلى ارتفاع بنسبة 20% في إيراداتها عبر الإنترنت التي بلغت 2.2 مليار يورو، بحسب الارقام المعلنة؛ وشهدت مبيعات الكتب الصوتية والرقمية فيها نموا كبيرا؛ وقد عززت ذلك بانطلاق معرض الكتاب في فرانكفورت، في تشرين الاول من عام 2021 الذي عد أكبر حدث من نوعه، في نسخته «الحضورية» الأولى لاسيما بعد الانقطاع الذي حصل في ظل جائحة كورونا.
والملاحظ ان تلك الدول التي تمتاز بتقاليدها الثقافية العريقة تحاول جاهدة مسابقة الزمن والجمع بين اسلوب المعارض التقليدية وبين متطلبات العصر الرقمي، واثر ذلك حتى على طبيعة تصميم اجنحة الدول ومؤسسات النشر، وهي تحاول باستمرار المزج بين احتياجات الانسان الفرد الشخصية و العائلية وبين دورها في مده بالزاد الثقافي المتواصل بوساطة معارض الكتب المتجددة، فأخذت تزاوج بين ابنية وفضاءات المعارض وبين الاساليب المستحدثة بطرق العرض، فباتت تخصص مواقع خاصة للاطفال وكتبهم حتى الالكترونية منها، وغرف للقراءة واخرى لتحميل الكتب الالكترونية بعرضها عن طريق شاشات عرض خاصة وتحميلها وبيعها وتداولها، فضلا عن ابتكارها اماكن ملحقة للتسوق والتسويق تتعلق بالكتاب وغيره.
ونحن في العراق آن لنا ان نتفاعل مع التطورات العالمية في مضمار المعارض والكتب قبل ان تسبقنا الدول بمدى كبير مثلما سبقتنا في التطور والتصنيع وبناء بلدانها، ولعل من اهم اسس التطور، اللحاق بها فيما يتعلق بتنمية معارض الكتب بزيادة اعدادها ونوعيتها؛ نقول ذلك طالما ان العراقي لم يزل قارئا نهما بحسب ما يؤكد ذلك المتابعون لأمر الثقافة العراقية واتجاهاتها.
في معرض بغداد الدولي للكتاب الذي افتتح واختتم اعماله في شهر ايار الماضي لم نلحظ تطورا لافتا يليق بـ عام 2022 برغم الحضور الجماهيري الكبير واللافت الذي شهده المعرض طيلة السنوات الماضية، كما ان معارض الكتب في المحافظات العراقية لا تكاد تذكر برغم تزايد اعداد المهتمين بالقراءة وانتشارها الى اوساط جماهيرية متجددة بخاصة من الشباب ومنه العنصر النسوي الذي اصبح يقبل على الكتاب بصورة ملحوظة، كما ان توسيع وتطوير معارض الكتب وربطها بالتقنيات الحديثة يمثل عونا كبيرا للدراسة الاكاديمية طالما نحن نفكر بمستقبل البلد ومستواه التعليمي وتقدمه.
ان تطوير معارض الكتب بتحديثها وكذلك بزيادة اعدادها وتنوعها اسلوب رابح لتنمية واقع الثقافة والإسهام ببناء اجيال تتمتع بالثقافة المطلوبة من جهة، وهي في الوقت نفسه تجارة رابحة توفر اموالا للمشتغلين بها وللدولة، وقد دأبت الدول بتنوعها على التفاعل مع مستجدات العلم والتكنلوجيا في مضمار الكتاب و نشره، ومن ذلك ولوجها الى عالم النشر الالكتروني الذي طفق يزاوج بين الكتاب المطبوع وبين الكتاب الالكتروني انطلاقا من حقيقة ان فئات كبيرة من السكان تتوسع اعدادها باستمرار اصبحت تلجأ الى الكتاب الالكتروني ليسر توفره وسهولة استعماله كمصدر للدراسة او البحث، وكذلك لخلق اجيال مثقفة متفتحة؛ اذ لا غنى عن ذلك لتقدم البلد وتطوره.