وصفها الموسيقار محمد عبد الوهاب بـ”المدرسة”
بغداد – زينب الحسني:
عرف العراق على مر تاريخه حركات موسيقية رائدة ليس عربيا وحسب بل عالميا أيضا، فكان أرض الابتكار والخلق، ومنه سافرت أنماط من الموسيقى إلى الأندلس وأشعت على بقية الأقطار العربية، وفيه تطور الغناء والمقامات وعرفت الموسيقى مجدها.
ويؤكد المؤرخون أن الموسيقى في سومر هي أولى ركائز الموسيقى العالمية، وقد وُضعت أصولها في المعابد الدينية مرافقة للغناء والإنشاد والرقص، ثم صارت جزءا من طقوس الزراعة ودفن الموتى، والاحتفالات والأعياد.
لا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء توجّه معظم المطربين العرب لتقديم الأغنية العراقية فالغناء العراقي الذي وصفه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بالمدرسة التي تحلّق خارج السرب بداية سبعينيات القرن الفائت، حينما قال (كل الغناء العربي يدور في فلك المدرسة المصرية إلا الغناء العراقي فهو مدرسة بحد ذاته)، ظهرت أهميته على ما يبدو بعد الانفتاح الفضائي والإعلامي العراقي على العالم العربي.
وقد قدم عدد كبير من الفنانين العرب أغنيات عراقية من بينهم حسين الجسمي واصالة ونوال الزغبي ومريام فارس وديانا حداد ومحمد حماقي وملحم زين وغيرهم من النجوم.
وللأغنية العراقية مكانة مميزة على مر السنون لما تحتوي من شجن وعذوبة في اللحن والأداء وقد سعى عدد من نجوم العرب الى تقديم الاغنية العراقية وحققوا نجاحا.
الفنانة اللبنانية أميمة خليل، اكدت أمس السبت، أن للفن رسائل تعبر عن هموم الناس وأفراحهم، فيما كشفت عن أنها تخطط لغناء أغنية عراقية تراثية وقصيدة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب (أنشودة المطر).
وأوضحت خليل في تصريح أنها “ابتدأت الغناء كموهبة، وصقلتها بالدورات الموسيقية المتخصصة”، مبينة أنها “عملت منذ صغرها في فرقة مارسيل خليفة وأن موهبتها كانت منطلقاً لدخول عالم الغناء، ومع التقدم في العمر والتجربة يكتشف الإنسان ضرورة تعلم الموسيقى بموازاة الموهبة”.
وأشارت خليل إلى، أنها “عوضت دراسة الموسيقى أكاديمياً من خلال انخراطها في دورات بمعاهد مختصة في الموسيقى”، مؤكدة أن “الفن يحمل رسائل جمالية، وأن الفنان مارسيل خليفة كرس عبر فرقته الفنية هذه الفكرة لديها، وأصبحت خياراتها الفنية مسكونة بهموم الناس وأفراحهم وأحزانهم”.
ولفتت إلى “تأثرها بالفنان مارسيل خليفة الذي احترفت الغناء معه وهي صغيرة، وأنها تعتبره قدوة ومثالاً للشباب العربي”.
واختتمت الفنانة اللبنانية حديثها بأنها “ستغني الأغنية التراثية العراقية (جي ما لي والي) ، كما ستغني قصيدة أنشودة المطر للشاعر الراحل بدر شاكر السياب”.
من جانبه، يرى الشاعر عبد الحسين بريسم، أن” للأغاني تاريخا طويلا مع الحياة والأجيال في العراق، وأن عامل الزمن لا يلغي تاريخها مثل أغاني القرن الماضي المستوفية للشروط الفنية، تلك التي ما زالت الأجيال الحالية تحبها كأغاني فؤاد سالم وقحطان العطار ورياض أحمد وغيرهم من عمالقة الغناء العراقي الأصيل على الرغم من الحداثة والعالم الأزرق ومواقع التواصل.
وأضاف بريسم قائلا: الأغنية ذاكرة حية للشعوب بما فيها من الأناشيد الوطنية والدينية المنتمية لأحداث ووقائع وممثلة لمواجع إنسانية معينة ومستمدة من مقامات مهمة ومعروفة.
نجاح المغنّين العراقيين في نشر لهجتهم جذب المغنّين العرب، انطلاقاً من النسب العالية التي تحقّقها مشاهدات الجمهور العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي كافة.
أما فنانو العراق فهم يذهبون إلى غناء هذا اللون إيماناً منهم بأهمية إبراز لهجتهم وتعريف الجمهور العربي بمصطلحاتها.
وفي هذا الصدد يقول الفنان همام إبراهيم، في حوار “أنا مواطن عراقي، أحمل على عاتقي مهمة إيصال الأغنية العراقية لأكبر شريحة من الجمهور العربي والغربي”.
ويضيف: “أنا أحترم لهجتي وأعتزّ بها، لكن هذا لا يمنع أنني سأغنّي في المستقبل القريب لهجات عربية مختلفة، كما أنني من أوائل الفنانين العراقيين أبناء جيلي الذين غنّوا بلهجة أخرى”.
ويبدو أن سرّ اللهجة العراقية ومحبّة الناس لها يكمن في رقيّ التعابير، والاختيار المناسب للكلمات، مع لحن الشجن والإيقاع المقرّب إلى أذن المستمع، وهو ما جعلها تُنافس وتتفوّق.
الشاعر عمر الدليمي قال، إن الأغاني العراقية بما تمثله من تجارب الشعوب وتطلعاتها، تعد ركنا من أركان ثقافة العراقيين بالاتساق مع الأحداث التي مرت عليهم كما أنها تعبّر عن وجدانهم وعواطفهم. مبيناً أن الأغنية العراقية وبالنظر إلى عمق تاريخ بلاد ما بين النهرين وحضارتها شكلت وجدان البلاد عبر المئات من السنين بدءاً من الأدعية والتهاليل التي كانت تقام في معابد سومر وبابل وآشور ولغاية آخر مشحوف مخر عباب مياه الهور، وهو يترنم بأحد أطوار الجنوب الذي يمثل المشغل الأهم الذي صاغ الوجدان العراقي.
وأضاف الدليمي “أجد أن طابع الحزن الذي وسم الأغنية العراقية ناجم عن الأحداث التي تعرض لها الناس في هذه المنطقة من غزوات وحروب استهدفت حضارته وتسببت في خسائر كبيرة، فضلا عن جور السلطات المحلية ابتداءً من وصف الأدبيات البابلية للملك كلكامش بأنه الملك الذي لم يبقِ عذراء لأمها”.
وتابع “تشدني الأطوار الجنوبية ومنها المحمداوي والغافلي والصبي والنجفي والحياوي وغيرها، وأشير إلى أنني كتبت نصي الشعري الموسوم “جوجي” والمنشور في مجموعتي الشعرية “ما ينقص شاعرا” على مدار أيام ثلاثة وأنا لا أسمع إلا طور الحياوي بعزف الفنان سامي نسيم.