لطالما تحدث الناس لدينا عن أزمة الكتاب، وعزوف الشباب عن القراءة، ولهاثهم خلف السهل غير الممتنع في مواقع التواصل الاجتماعي. وكثيراً ما شكا المؤلفون من صعوبة النشر، وتعذر التوزيع، وضيق ذات اليد، إلى الدرجة التي بات فيها صدور كتيب صغير من المفاجآت السارة غير المتوقعة.
والناس معذورون في ذلك لعدة أسباب منها انحسار محلات بيع الكتب، واجتماعها في مكان واحد. ففي بغداد، التي يزيد عدد سكانها اليوم عن ثمانية ملايين نسمة، لا يمكن الحصول على كتاب أو مجلة إلا على أرصفة شارع المتنبي. والوصول إلى هذا الشارع في مدينة يزيد قطرها عن 60 كيلومتراً (حسب إحصاء عقد السبعينات) أمر غير هين. وليست حال المحافظات بأفضل من هذا. فلا يزيد عدد محلات بيع الكتب في مركز كل محافظة عن ثلاثة أو أربعة. وإذا ما علمنا أن السكان لا يعيشون في رقعة جغرافية متقاربة، بل أن منهم من يبعد عشرات الكيلومترات عن المركز، أدركنا أن عادة اقتناء الكتب في طريقها للانحسار. وأن الشاب الذي يشعر بالحاجة إلى قراءة إصدار ما سيضطر للارتحال مسافات بعيدة، وهو ما ليس متاحاً للجميع. لقد ذهب ذلك الزمن الذي كانت فيه هذه المحلات قائمة في الأطراف النائية، بحيث يستطيع أي شخص الحصول على المجلات العربية الصادرة في مصر ولبنان والكويت حتى لو كان يعيش في أقصى نقطة في شمال أو جنوب العراق!
والأدهى من ذلك كله، أن مؤسسات وزارة الثقافة المعنية بالنشر، لا تمتلك معارض خاصة بها في المحافظات. وبحسب علمي أنها غير قادرة على تصريف مطبوعاتها المكدسة في مخازنها ببغداد. وقد أتى حين من الدهر كانت تملك فيه محلات واسعة في أكثر الأماكن اكتظاظاً بالمارة. وفيها جميع ما يطلبه القارئ من منشورات بثمن بخس. ثم انحسرت هذه المعارض، لتتحول بعدها إلى مكتبات صغيرة داخل (قصور) الثقافة والفنون، التي لا يدخلها إلا مؤلف، ولا يزورها إلا فنان. ولا أعرف كيف تفكر وزارة بحجم وزارة الثقافة بهذا الشكل، ولماذا تتكاسل عن إيصال نتاجاتها إلى النواحي والأرياف النائية، حتى لو كانت عائداتها غير مجزية. فهناك مردودات مادية غير مباشرة تتحصل عليها الدولة من إيمان المجتمع برسالتها الفكرية. والدول تتقدم بزيادة الوعي. وهذا دليل على أن عودة وزارة الإعلام من جديد هو الحل الأمثل لأزمة الكتابة في العراق. فالسياسة الإعلامية للدولة لا تقل خطراً عن السياستين الدفاعية والأمنية.
لقد بات نشاط وزارة الثقافة منحصراً في المهرجانات الشعرية، التي لم تأت بجديد طوال عقد ونصف. ولاشك إن نشر الثقافة، وتعزيز دور الكتاب، وغرس عادة القراءة لدى النشء، هي أفضل بكثير من إنفاق الأموال الطائلة على ملتقيات متكررة، تتبنى أفكاراً دخيلة مضللة في النهار، وتتحول إلى جلسات لمعاقرة بنت الحان في المساء، ولا تكاد تخرج بشئ ينفع الناس على الإطلاق!
محمد زكي ابراهيم