د. أحمد عزيز
صدر حديثاً كتاب “الجائحة” للكاتب الكبير حمدي رزق عن مؤسسة أخبار اليوم بالقاهرة ضمن سلسلة كتاب اليوم عدد يوليو/تموز. يؤكد الكاتب حمدي رزق أنه بين الخرافة والأسطورة سقطت “كورونا” من حالق على أرض زلقة مبللة بالجهل، وغارقة في الغيبيات، والبحث عن تفسيرات ماضوية، تستبيح الدين على قدسيته في إشاعة حكايات موهومة ومتوهمة ترطب القلق النفسي الذي يعتور العامة المحجورين في قعور البيوت من أثر الجائحة.
ويوضح المؤلف في هذا السياق من التغييب الشعبوي الذي تنشره منصات إلكترونية سلفية وإخوانية تعمد إلى إرهاب العاديين وإشاعة الخوف والفزع عبر زرع كم من الخرافات في الأدمغة المنفتحة على مواقع التواصل بشغف رهيب يحركه خوف غريزي يعطل العقل عن إدراك كنه الخرافة التي هو بصددها، بل يصدقها على علاتها ويستعيذ منها، ويطلب من الأصدقاء التعوذ منها فيشيرها في دائرته ومحيطه، وهكذا تلف الخرافة الكرة الأرضية عبر منصات التواصل الاجتماعي ويلتقطها الذباب الإلكتروني الذى يعف على الجيف المعلوماتية، وينقلها عالقة بأرجله إلى آفاق بعيدة، فتصير الخرافة أقرب إلى الحقيقة قابلة للتصديق دون إعمال العقل، العقل الجمعى يقبل الغيبيات عادة ويبتعد بمسافة تجنبه مشقة التفكير.
يشير الكاتب إلى أن حالة من الذعر سيطرت على المصريين وغيرهم ممن تداولوا صورة النبوءات الغيبية عن فيروس، والتي انطلق نشرها من جروبات تطبيق الواتساب، وحلل رواد المواقع هذه الكلمات مع ربطها بالأحداث المتتالية التي يمر بها العالم منذ بداية العام 2020 ، خاصة مع تفشي فيروس كورونا كوباء عالمي، وانتشار الجراد في بعض البلاد الأفريقية، وقرار وقف العمرة وإخلاء الحرم المكي للتعقيم. وقيل تنبأ “سالوقية”، منذ قديم الزمان بنهاية العالم في شهر مارس/آذار بوباء كورونا، ونهاية ترامب (ومات ملك الروم/ من مرضه الزؤوم) في ظل أخبار الاشتباه في إصابة الرئيس الأميركى بكورونا واحتمالية حجره صحيًا.
ولكن يبدو أن هذه النبوءة ليست إلا خرافة ابتدعها الباحثون عن إثارة الذعر ونشر الشائعات، فخلال البحث عن رجل في التاريخ يدعى إبراهيم بن سالوقية، اتضح أنه لا يوجد شخص يحمل هذا الاسم في التاريخ وله كتب أو مؤلفات واضحة حتى الآن.
يقول صاحب الكتاب أمام غياب علاج شاف من فيروس كورونا يعود الكثيرون إلى صيدلية الجدات بما تحويه من تجارب وأعشاب وخلطات “قادرة على مواجهة أي مرض” حسب اعتقادات شائعة في المجتمع الموريتاني. لقد أعاد الفيروس الكثيرين للأدعية المأثورة فأخذ الناس يتداولونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وينشرونها “تقربا إلى الله” كما كتبوا في “تويتر” و”واتساب”. لا يشكل فيروس كوفيد 19 أي خطر لدى من يعتقدون في المحتوى الموروث لصيدلية الجدة: ففى هذا المستودع الدوائي تجارب عجيبة: هنا مرق مصنوع من الدجاج مع قليل من الفلفل، تُقرأ عليه “آيات الشفاء فيملأ الخياشيم بمادة تقتل أخطر فيروس ولو كان كوفيد 19، بقرونه اللاصقة وتكاثره المريع”.
بشير الكاتب أنه تستحق وصف “السنة الكبيسة” حصريًا، لم تكمل شهرها الأول، إلا بوباء يحصد الأرواح موتًا، وإعصار يخطف القلوب خوفًا، وما خفى كان أعظم، والدعاء مستوجب، «اللهمَّ يا خفىَّ الألطاف نَجِّنا مما نخاف»، والقنوط مذموم، وجهل برحمة الله، واستعجال النتائج وقلّة الصبر، ونكوص وعدم تحمّل الشدائد لضعف النفس، «لا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ» (فصلت / 49).
آخر سنة كبيسة شهدتها البشرية كانت في العام 2016، كانت كبيسة ولكنها اعتيادية كمثيلاتها، مرت سريعًا لم تترك بصماتها القاسية على الوجوه، وترتبط السنة الكبيسة بعديد من الخرافات حول العالم، والخرافة لغة هي الحديث المستَمْلَحُ المكذوبُ، وتعد الخرافة الأسوأ هي أن السنة الكبيسة تشهد حالات وفيات متعددة، ويطلق عليها «طاعون الموت»، إذ يفقد الكثير من الأحباء ذويهم وأقاربهم خلالها، وهذا قريب من 2020 لربما فيروس كورونا هو «طاعون الموت» المشار إليه في الخرافة التي تحدث بها أقوام في أزمان بعيدة.
يؤكد الكتاب أن الناس في مواجهة الوباء تتحرك بروح القطيع، لو قيل لهم إن ماء البحر المالح يحمى من الكورونا لشربوا من البحر، ولو قيل لهم الشفاء من ماء بطن الزير لكسروا الزير، أجهزوا على كل أدوية المالاريا والروماتويد والحمى والإنفلونزا، كل دواء يشير به أحدهم مجرد الإشارة يتم الزحف عليه خشية الكورونا.
12 أكتوبر/تشرين الأول 1992 حجز سطرا في ذاكرة المصريين، زلازل أكتوبر الشهير الذى هز مصر هزا ، و26 يناير 2020 حفر لذكراه مكانا متقدما، يوم إعلان وزارة الصحة المصرية عن أول حالة فيروسية في البلاد بمطار القاهرة الدولي تتعلق بمواطن صيني.
وأخطرت السلطات المصرية منظمة الصحة العالمية، وتم وضع المريض في الحجر الصحي في المستشفى، واتُخذت في وقت لاحق تدابير وقائية لرصد الأشخاص الذين اتصلوا بالشخص.
*عن ميدل أيست أون لاين