سلام مكي
كثيرون كتبوا في موضوع الشعر الحديث والتجديد فيه. واختلفت تلك الكتابات فيما بينها، باختلاف نظرة الكتاب الى مفهوم التجديد ومفهوم الشعر قبل ذلك. فمنهم من رحّب ومنهم من استنكر، ومنهم من وضع شروطا قاسية على التجديد حتى يمنحه بركاته، ومنهم من أطلق يد الشاعر إلى أقصى الحدود. والكتابة في موضوع مهم وخطير في نفس الوقت مثل التجديد في الشعر الحديث، يستدعي أدوات أدبية وثقافية خاصة، لا تتوفر عند أي أحد، لذلك نجد أن أسماءً مهمة كانت رائدة في مجال الكتابة عن مرحلة التجديد في الشعر والتي تعد مرحلة انتقالية مهّدت لمراحل جديدة، نقلت الشعر معها الى أماكن أخرى، وأعطته مفاهيم مختلفة وجديدة. ولعل الموضوعية، والتجرد من الدوافع غير الثقافية، والاتكاء على الشعر في الكتابة عن هذا الموضوع لا يقل أهمية عن امتلاك الأدوات الأخرى. ما يهمنا في هذا المقام، هو كتاب الدكتور يوسف عز الدين ” التجديد في الشعر الحديث.. بواعثه النفسية وجذوره التاريخية.
هذا الكتاب الصادر منتصف ثمانينيات القرن الماضي، والذي يفترض أنه ساهم في تغطية مساحة مهمة من البحث عن موضوع التجديد الشعر، بعد الاطلاع عليه، نجد أنه وللأسف، لم يكن سوى انطباعات شخصية، تعبر عن مزاج الكاتب، وتروج لفكر ينتمي إليه الكاتب، هذا الفكر بعيد كل البعد عن الشعر ووظيفته السامية التي تتجاوز كل الانتماءات وترفض القيود الخارجية والداخلية، وترفض أن يكون ولاء الشعر لأحد. كتب الدكتور عز الدين الكثير من الأمور في كتابه هذا، كلها تصب في خانة واحدة، وهي إعلاء شأن القومية وترسيخ مبدأ التعصب للقديم، ورفض والسخرية من الجديد، بطريقة بعيدة كل البعد عن روح الثقافة التي تدعو إلى قبول الآخر وقبول حق الاختلاف واحترام الرأي المضاد. من جملة ما جاء في كتاب الدكتور عز الدين، هو السخرية من أي اسم شعري يدعو إلى التجديد وطرح أفكار جديدة في الشعر، مهما كانت مكانة ذلك الشاعر. ولعل سخريته من الشاعر الزهاوي التي تبين أنها بعيدة عن الشعر ولدوافع شخصية، وتمجيده الشاعر الرصافي، رغم أن سبب السخرية من الزهاوي موجود لدى الرصافي قبل الزهاوي. فمثلا، يقول الدكتور عز الدين عن الزهاوي: … فكان الريحاني أول دعاة التجديد الذي قوبل بسخرية من كبار الشعراء والكتاب في العراق واحتضنه ضعاف الكتاب والشعراء ومنهم الزهاوي. ينقل د. احمد مطلوب كلاما للرصافي عن الشعر المنثور والذي يصفه الدكتور عز الدين بأنه كلام… وأما الشعر المنثور العاري من الوزن والقافية، فهو شعر بالمعنى الأعم، أي شعر بمعانيه التي تفعل في النفس ما يفعل الانشاد المقترن بالنغم والايقاع، إلا أنه لا يتغنى به فعلا.. وحبذا لو سمي الشعر المنثور بالشعر الصامت، لعد اقترانه بالغناء والرقص.. هذا الكلام الذي نقله الدكتور احمد مطلوب عن مجلة الحرية الصادرة عام 1925 ، يمثل نظرة مهمة وقريبة جدا من التنظير لقصيدة النثر، ومن كتابات الجيل الذي يصفه بأنه جمهور من المتشاعرين أساؤوا لأنفسهم وللتجديد.