جمال جصاني
لا يحتاج المتتبع للشأن العراقي لجهد كبير أو ذكاء خاص؛ كي يتفق معنا حول حقيقة كونه “مجتمع منزوع الحلول”، لا زمن ذلك الذي انتشل مذعورا من جحره الأخير وحسب، بل تفاقم الوضع أكثر مع ورثة اسلاب ما تبقى من حطام مشروع الدولة الذي لم يتحقق بعد مرور قرن على ولادته. وما مهزلة عدم اتفاق قوارض حقبة الفتح الديمقراطي المبين على تشكيل حكومة في هذا المنعطف الخطير الذي نمر به، واستمرار مهازل الكاتيوشا على المنطقة الخضراء، تحت وابل من تهديدات جائحة كورونا المستجد، وانهيار اسعار النفط (معيلنا جميعاً) وغير ذلك من التحديات الوجودية؛ الا دليل قاطع على انهم باتوا يشكلون خطرا لا يقل فتكاً عن تلك الفايروسات التي لم تمنحها الاقدار عقلا ولا حياة. ولكن ما جدوى الاتفاق على ذلك وسط مناخات وشروط حياة واصطفافات، لا تبشر باية تحولات او زحزحات جدية صوب تغيير واقع الحال والاحوال..؟ البعض ممن ادمن على تقنية “الانحناء أمام العاصفة” وامتطاء “الدقلات” سبيلا للوصول الى غاياته، لا يكف عن اجترار الرهانات الخاسرة في العاب الخفة وخزعبلات الشعوذة، زمن ارتفاع منسوب التذمر والشكوى، حيث لن يمر وقت طويل حتى يتجرع الجميع ثمار ذلك الحصاد المر.
عدم قدرة المجتمع وعجزه عن تقديم حلول، حقيقة لا يمكن نكرانها، وما اعادة تدوير مثل هذه المخلوقات والجماعات وحيوية انتاج الواجهات والتسميات التي تتخفى خلفها، الا برهان واضح على عجز وفشل المجتمع في تقديم بدائل قادرة على ازاحتهم، بوصفها الضد النوع لسلالات القوارض. اما بالنسبة لثوار المواسم وبازار الانفعالات، ممن يتقافزون من الضد لضده من دون ادنى وجع من عقل او ضمير، ومن الخمود والسبات الى أوج العنفوان، الذين يتعاطون مع عناوين ضخمة كـ (الثورة واخواتها) بكل خفة ومن دون الالتفات لما تتطلبه مثل تلك الزحزحات البنيوية من شروط ومتطلبات ووعي وملاكات؛ فان نشاطهم هذا والادوار التي يمارسونها اصبحت جزء من فلوكلور الخراب المتجدد في هذه المضارب المنكوبة. ان اعادة اكتشاف الاحتياطات الهائلة للوجع والضيم في هذا الوطن القديم، لا يحتاج الى عبقريات خاصة، ولا الى كل هذا اللف والدوران والرشاقة في الاستدارة عند المنعطفات؛ فهو أمر تصدح به وعلى مدار الساعة حناجر الغناء العراقي الاكثر شهرة.
الكثير من التقارير الاممية والمحلية تؤكد ما تخطه المعطيات الفعلية للمشهد الراهن، حيث يمر العراق اليوم، بأحد أكثر الازمات تهديدا لوجوده، وهي بكل تاكيد ستضعه امام مفترق طرق؛ أما ان تتحول هذه الازمة وهذه التحديات الى فرصة كي ننتشل مشحوفنا المشترك مما يتربص به من سيناريوهات مميتة، او تركه ينحدر الى الهاوية. حتى هذه اللحظة لم تظهر اية علامات جدية، على تعافي المجتمع وشروعه في التأسيس لحلول وبدائل وطنية وحضارية (ما خلا عدد من النشاطات التطوعية والمبادرات الفردية لخدمة الشأن العام هنا وهناك..). لذلك يعد العراق اليوم من البلدان الاكثر عجزا وهوانا امام الجائحة البايولوجية (كورونا المستجد) والكارثة الاقتصادية (انهيار اسعار النفط) وكل هذا بسبب سوء تدبيرنا وقلة حيلتنا (افرادا وجماعات) والمستندة الى حطام هائل من سكراب القيم والمدونات والسرديات والعقائد والهلوسات. من دون الاقرار بكل هذا الفقر والهوان الذي يحيط بنا من كل صوب؛ لا يمكن انتظار ولادة حلول وبدائل فعلية لا استعراضية لما انحدرنا اليه…