الشكل الجديد من الفايروس الذي ظهر في مدينة واهان الصينية (كورونا/ كوفيد 19) والذي بدأ بالتحول الى وباء، بعد انتقاله الى العديد من البلدان والقارات، حمل الى جانب الموت والاصابة لآلاف الاشخاص من شتى الاجناس والجنسيات؛ العديد من التحديات والرسائل للمجتمع الدولي بشكل عام ولكل بلد ومجتمع بشكل خاص. الفايروس الجديد وكما تشير المعطيات العلمية والطبية الأولية عن تركبيته وهويته، التي تكتنز شبكة معقدة من علاقات البشر مع ما يحيط بهم من مخلوقات وحياة؛ يطرق على ما تبقى لسلالات بني آدم من عقلانية وحكمة ووعي، كي يلتفتوا لمثل هذه المخاطر والتحديات التي لن تلتفت لكل ما نسجوه من هلوسات ومدونات وعنتريات تبرر لهم نهش بعضهم للبعض الآخر وما رافق ذلك من هتك واعتداء على نواميس الطبيعة، وبالتالي الاستهتار بباقي أشكال الحياة على هذا الكوكب. البعض وضمن مناخات الكراهة والشراهة والتناهش المهيمن على العلاقات الدولية، يعد ظهور وتطور مثل هذه النسخ الفايروسية، نتاجاً للتجارب المخبرية وحاجات الصراع بين الانظمة المتنازعة على مقاليد هذا العالم، وهي اجتهادات لها ما يبررها لاسيما عندما نستذكر الارث الاجرامي لتعاطي بعض الدول المتنفذة مع المنجزات العلمية، عندما حولتها الى اسلحة دمار شامل للبشر والشجر والحجر.
يقول احد خبراء منظمة الصحة العالمية تعقيبا على حيثيات ظهور وانتشار (كورونا/ كوفيد 19): (هناك فرص واقعية للسيطرة على المرض، اذا خصص ما يكفي من الموارد لمكافحته). وعندما نتمعن جيدا بالسبل والمسارب التي تنجرف اليها موارد لا البلدان الغنية والكبرى وحسب بل البلدان الاشد فقرا وعوزاً؛ سنصل الى شيء من الوعي بحجم اغترابنا عما حملته الينا هذه النسخة الجديدة من الامراض. ليس هناك ادنى شك من ان تخصيص نسبة ضئيلة من الموارد التي تذهب لاشعال الحروب والنزاعات والترويج لنشر كل اشكال القتل واسلحة الدمار الشامل، والتي تعاظمت مجددا في الاعوام الاخيرة؛ كان بمقدورها مكافحة لا هذا الوافد الجديد فحسب، بل وضع اساس مكين لمواجهة القوافل المقبلة من تلك السلالات المتربصة بامن وسلامة الحياة في عالم تزيده الثورات العلمية والقيمية تقارباً وتراصاً.
أما في هذا الوطن المنكوب وما يتجحفل معه من مضارب “خير امة” فقد كشفت اخبار انتشاره، عما هو أشد فتكاً من هذا المرض، الا وهي الاحتياطات الهائلة من فايروس الكراهة والذي لم ينجو منه “الا ما رحم ربي”. حيث لم يمر وقت طويل على اعلان اول اصابة بهذا المرض في مدينة النجف، لطالب علوم دينية جاء من ايران، حتى ولج ذلك الحدث الى بورصة الوباء الاشد فتكاً لسلالات بني آدم (الكراهة وتأجيج الثارات الصدئة). في الوقت الذي تنبري المجتمعات السليمة (افرادا وجماعات) الى نجدة المنكوبين بمثل تلك الاوبئة والكوارث ماديا وبشريا أو بالتعاطف المعنوي وذلك اضعف الايمان، نجد مجتمعات التشرذم والاحقاد تحولها الى وسيلة للتشفي من المخلوقات والاقوام التي وضعتها الاقدار في قائمة “اعداؤها التاريخيون والازليون”. كما ان هذه المحن تكشف لنا بؤس حالنا وأحوالنا، وما انحدرت اليه امكاناتنا الفعلية في مجال الرعاية الصحية وشبكة العلاقات والخدمات الموثرة فيها، هذا المجال الحيوي الذي تعرف من خلاله المجتمعات والامم التي تكرم الحياة بكل اشكالها عن تلك التي أدمنت على سحقها واهانتها..
جمال جصاني