ليس من السهولة بمكان ، ان يصل الواحد منا الى بلاط صاحبة الجلالة، (الصحافة) ، الا إذا كان من ذوي الحظ العظيم ، وهذا الحظ ، قطعا لن يكون عظيما ، ما لم تكن لدى صاحبه جهود وتطلعات كبيرة تساعده على تشييد صرح هذا الحظ ، فقضية «القسمة والبخت» لن تكون ذات اثر ، للظفر بمقعد في ذلك البلاط المهيب ، وان عملت الظروف أو الصدفة على تحقيق امر من هذا القبيل ، فان المقام لن يطول بصاحبه ، اذ سرعان ما يتم ابعاده خارج أسوار البلاط ..
ولعل قائلا يقول ، واين هذا الكلام من الواقع الذي نعيشه اليوم ، اذ تغص اروقة بلاط صاحبة الجلالة ،بالكثيرين الذين لا يعرفون من الصحافة سوى اسمها ؟ .. وقد يكون مثل هذا الكلام وارداً ، في ظل الكثير من الظروف التي اكتنفت واقع الصحافة العراقية خلال العقود الأخيرة ، ولكن في المقابل أيضا ، يبدو جلياً للمتتبع والدارس ، ان الكثير ممن دخلوا الى البلاط ، غادروه ، مطرودين أو خجولين ، لانهم ، ليكونوا من ارباب المهنة ، ولا يحملون من أدواتها شيئاً ، ومثل هذا ، الأمر مستمر ، مع وجود الكثير من الإجراءات والفعاليات التي فضحت ، المتطفلين والطارئين على الجسد الصحفي في العراق ، ما يجعلنا متفائلين بمستقبل افضل لواقع الصحافة العراقية ، التي نحتفل بذكرى عيدها الـ(١٥٠) هذه الايام ، في ظل ظروف، تبدو افضل مما كان عليه واقعنا الصحفي قبل سنوات ، وتحسن الظروف هنا ، لايعني باي حال من الأحوال ان الصحفي العراقي ، بات اميرا ، يمشي ملكا في قصور صاحبة الجلالة ، بل ما زال يواجه الكثير من الصعوبات التي تعرقل عمله في احيان كثيرة ، فالحصول على المعلومة ، ليس بالأمر الهين ، فلدينا بعض مؤسسات الدولة ، تنظر الى الصحفي وكأنه جاسوس يعمل لحساب جهات معادية ، ومثل هذا السلوك من شأنه ان يبعد الصحافة عن اداء دورها الحقيقي ، وبالتالي حرمان الرأي العام من الحصول على المعلومة ، ما يضطره الى البحث عنها من مصادر غير موثوقة ، وقد يحصل على معلومات مظللة ،لا تمت للواقع بصلة ، ومثل هذا الأمر ، ادى الى نمو ظاهرة التظليل المعلوماتي التي تضطلع بها مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها (الفيسبوك) ، والمصيبة ان تلك المؤسسات التي لجأت الى حرمان الصحفي من المعلومة ، تجد نفسها مضطرة ، لنفي معلومات وأخبار جرى تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي ، ولكن نفيها لن يكون مؤثرا ، بعد انتشار الاخبار الكاذبة ، مع تعطش وتفاعل كبير من قبل الرأي العام مع ما يشاع ، لذلك هي دعوة صادقة لجميع مؤسسات الدولة ، الى التعامل الإيجابي مع الصحافة والإعلام ، وعدم حجب المعلومة عن الرأي العام ، ولكن في المقابل ، مطلوب أيضا من الصحفيين والإعلاميين ، ان يقوموا بدورهم كما يجب ، بعيدا عن الابتزاز ، فهم في نهاية المطاف ،يمثلون واحدة من أقوى السلطات ، حتى سُميت الصحافة بـ(السلطة الرابعة) بسبب قوتها وتأثيرها الكبير .
نعم ، ان الصحافة العراقية اليوم ، إذا ما قورنت بزميلاتها في البلدان المجاورة وبلدان العالم الثالث ،تعد افضل حالا، لما يتمتع به الصحفي العراقي من حرية ، ربما يحسده عليها زملاؤه في دول اخرى ،فقد يكون العراق ، هو البلد الوحيد في المنطقة الذي ليس فيه صحفيون معتقلون ، بسبب آرائهم أو مواقفهم الصحفية ، ذلك لوجود قوانين وتشريعات تحمي الصحفي ، وما يعزز هذا الأمر ، وجود نقابة للصحفيين ذات فعل مؤثر في المشهد العراقي ، وقد امتد الق هذا التأثير الى خارج أسوار الوطن ، عندما اتفقت كلمة الزملاء العرب على اختيار نقيب الصحفيين العراقيين ، رئيسا لاتحادهم .
وفي ختام هذا البوح ، الرحمة والخلود لشهداء الصحافة العراقية الذين كانت دماؤهم الزكية مدادا لأقلام الحرية ، الم يقل الشاعر (وللحرية الحمراء بكل يد مضرجة يُدق) ، وللجرحى والمصابين الشفاء العاجل ،متمنياً لجميع الصحفيين العراقيين دوام التألق والنجاح ، وهم يواصلون جهادهم الصادق في محراب الكلمة الصادقة والمعلومة السليمة .. كل عام وسلطتنا الرابعة بخير .
عبدالزهرة محمد الهنداوي