عبدالزهرة محمد الهنداوي:
يبدو مع تتابع الساعات والايام ، ان المشهد الاقليمي والدولي ، يزداد هلامية وغموضا ، من دون ملامح واضحة بسبب الأزمة الإيرانية -الاميركية ، لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية الاميركي “بومبيو” الى بغداد ، وما اثير حولها من جدل وتكهنات ،كان القاسم المشترك فيها التشاؤم ، وما تلا تلك الزيارة من تداعيات ، والخشية من احتمال لجوء “ترامب” الى اعلان الحرب ضد إيران ، بعد ان لم تأت العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على طهران بالنتائج التي كانت تتوخاها واشنطن ، وما عزز من تلك المخاوف والتكهنات ، وصول القاصفة الاميركية العملاقة “B52” ، واسلحة اخرى الى مياه الخليج ، ما يعني ان “ترامب” يبدو جادا في اعلان الحرب ، في الأقل حرب خاطفة يجرى خلالها توجيه ضربات سريعة لاهداف حيوية منتخبة ، لعل من بينها المنشآت النووية الإيرانية ..
وإزاء هذه التداعيات السريعة للأحداث ، جاءت ردود الفعل متناقضة ومتقاطعة وحسب اتجاهات البوصلة للأنظمة السياسية ، غربا أو شرقا ، نحو طهران أو واشنطن !!.. وهنا يبدو من المناسب اثارة جملة من الأسئلة التي يمكن من خلالها تحديد بوصلة الأحداث في المنطقة ، وكيف سيكون موقف العراق ازاء ذلك كله ، وهو البلد الذي يختلف عن سواه من البلدان الأخرى التي ستتأثر بالأحداث ، فالعراق يرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقية اطارية ، فضلا عن الدور الاميركي الذي مازال تأثيره واضحا في المشهد العراقي ، وفي المقابل ، فان علاقات العراق مع إيران ، تعد متميزة ، يؤطرها تعاون اقتصادي وتبادل تجاري لايستهان به ، ناهيكم عن العلاقات السياسية الوطيدة التي تكللت بزيارة عادل عبدالمهدي الى طهران وزيارة حسن روحاني الى بغداد ، وما نتج عن هاتين الزيارتين من توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات ، ربما اثارت حفيظة واشنطن ، والدول السائرة في ركبها ، ولا شك ان وجود علاقات وطيدة ، بين العراق وطرفي المشكلة (واشنطن -طهران) قد تعطيه مساحة للتحرك وأداء دور إيجابي يمكن ان يسهم في سحب فتيل الأزمة وتجنيب المنطقة مشكلة ، لا احد يتوقع حجم ومساحات تداعياتها على مستوى المنطقة والعالم ، حتى ان البعض قال ، اننا على اعتاب اندلاع الحرب العالمية الثالثة ، في ظل اصرار موسكو وبعض العواصم الأوروبية على تمسكها باتفاق ٥+١ ..
وهنا نعود الى التساؤلات التي يمكن من خلالها تحديد و قراءة اتجاهات الأحداث ، ومن بين تلك التساؤلات ، هل ان واشنطن مستعدة فعلا لإعلان الحرب على طهران ، لاسقاط النظام هناك ، وهي بهذا تعيد تجربة ٢٠٠٣ ، يوم أعلنت حربها على العراق ونجم عنه احتلال البلد بالكامل ، وقد كان ما كان من نتائج وخيمة على المنطقة بالكامل ، مازالت وستبقى اثارها تتفاعل الى مديات غير معروفة ، تسببت بإحراج واشنطن في الكثير من المواقف ، جعلتها تتخبط في اتخاذ الكثير من القرارات والسياسات غير المستندة الى أساس رصين ؟ ، ومن هنا ، وعلى الرغم من ان البعض يتحدث عن “جنون ترامب” واحتمال ان يتهور في اتخاذ قرار بالحرب ، فهل ستكون الادارة الاميركية وكل ما يرتبط بهذه الادارة من تشكيلات أمنية ومخابراتية وسياسية ، مستعدة لمسايرة “ترامب” في سياسته “المجنونة” هذه ؟!.. أظن ان القضية ليست بهذه السهولة فيما لو اخذوا بنظر الاعتبار تجارب حربي ١٩٩٠ و٢٠٠٣ .. ومن هنا ندخل الى التساؤل الثاني ، هل ان دول أوروبا وروسيا ودول المنطقة ستقف مكتوفة الأيدي ، ازاء سعي واشنطن الى ان تكون هي الآمر الناهي ، فتبقي مَن ترضى عنه ، وتخلع من لاتريده من الأنظمة ؟ .. قطعا ان الأمر ليس بهذه السهولة ، على الرغم من ان بعض حكومات المنطقة هي في العلن غيرها في السر ، فهي تعارض الحرب ظاهرا ، ولكنها في السر ، مازالت “توز” ترامب على اعلان حربه على طهران !! .. وإذا سلّمنا ، بعدم قدرة بلدان المنطقة من الوقوف بوجه واشنطن ، بسبب الهيمنة الاميركية المطلقة في المنطقة ، اذ ستكون هذه البلدان ، بين مؤيد وساكت ، باستثناء سوريا ، يبقى موقف موسكو ، هو مَن سيحسم الجدل باتجاه الحرب أو باتجاه الحل الدبلوماسي ، لاسيما مع اعلان “ترامب” انه مازال مستعدا للتفاوض مع طهران . ولكن ما مدى قوة وجدية الموقف الروسي ، وقد اعتدنا في أزمات سابقة عدم ثبات هذا الموقف ؟ ، اذ تبقى مصالح الدب الروسي الذي يعاني من مشكلات اقتصادية ليست سهلة ، هي التي تتحكم بموقف موسكو !! .. وهكذا ، إنْ سلمنا بكل هذه المواقف التي ستقود في نهاية المطاف الى بقاء كلمة “ترامب” هي العليا في المنطقة ، فهل ان دول المنطقة ، قادرة على تحمل أوزار حرب جديدة ، وهي التي شهدت ثلاث حروب رئيسة على مدى العقود الأربعة الماضية (حرب ١٩٨٠-١٩٨٨ و حرب الخليج ١٩٩٠-١٩٩١ وحرب احتلال العراق ٢٠٠٣) ، ، فضلا عن حروب فرعية اخرى مازال بعضها مشتعلا ،(داعش وظهوره في العراق وسوريا ودول اخرى – حرب اليمن .. إلخ) ؟ وحتى هذه اللحظة مازالت الكثير من “فواتير” تلك الحروب غير مدفوعة !! .. ومعنى هذا ان حربا جديدة -إنْ اندلعت- بين واشنطن وطهران ، فإننا مقبلون على احداث وتداعيات ،خطيرة لا احد قادر على قراءة نتائجها شديدة الخطورة ، فمن المؤكد ان طهران لديها أوراق مهمة ستكون مضطرة الى اللعب بها ، لإحراج واشنطن ، وفي الوقت ذاته ، فان موسكو هي ايضا تبحث عن دورها ومصالحها في المنطقة ، ودول أوروبا والصين ، يمكن ان تكون لها كلمة أيضا ، وفي ظل كل هذا التعقيد في المشهد ، ربما يبرز الدور العراقي واضحا وقويا ، مستغلا علاقاته الإيجابية مع جميع الأطراف ، وينجح في لجم فوهات المدافع ، التي ان أفطرت ، فان ليل إفطارها سيطول ، ولن يكون من السهولة ، عودتها الى الإمساك مرة اخرى ، الا بعد ان تلتهم الأخضر واليابس.