من روائع الرثاء

حسين الصدر

-1-

للشاعر الماهر قدرتُه المتميزة على صياغة عواطفه ومشاعره بشكل مثير، وعاطفة الأبوة نحو الأبناء ما هي الا أمواج متلاطمة كتلاطم أمواج البحر ، قد تهدأ حيناً ولكنها سرعان ما تعود الى الهياج ..!!

-2-

وقد وقفتُ على أبيات تقطرُ لوعةً وفجيعةً وأَلَماً ، في طفل اختطفته يد المنون من بين يديْ أبيه قبل الفطام، فلوّنت حياته بالشجى والمرارة والحزن ودفعته نحو الشعر ليقول :

فطَمتَكَ الأيامُ قبلَ الفطامِ

وأتاكَ النقصانُ قبلَ التمامِ

بأبي أنت ظاعناً لم أُمتّعْ

بوداعٍ منهُ ولا بسلامِ

كنتُ أرجوكَ للمهم مِنَ الأمرِ

وأنسى تعرضَ الأيامِ

حاربتني فيك الليالي ولم يحفظن

عهدي ولا رعينَ ذِمامي

أيها القبر انَّ فيك لروحي

نُزعتْ مِنْ مفاصلي وعِظامي

وبرغمي أمسيتُ أمنحُكَ الودَّ

وأُهدي اليكَ صوبَ الغَمامِ

وفي البيت الأول اشارة الى أنَّ الطفل الفقيد لم يُكمل عامه الثاني، فالحِمامُ فطمه قبل الفطام ، فأوجع قلب الاب الوالد بفلذة كبده …

ويبدو ان الطفل فارق الحياة على حين غرّة، فلم يكن بمقدور أبيه أنْ يحظى منه بوداع او سلام …

وهذا ما يُذكي جذوة النيران الملتهبة في حنايا الوجدان .

والأب الشاعر – كسائر الآباء – يعقد على ابنه الآمال العراض، ويرتقب ان يرى فيه – حين يشتد عوده – موئله وحصنه الحصين لدفع الملمات، ولكنَّ هذه الآمال قد خابت،وبقي الاب يلوك أحزانه واوجاعه، ناقما على الليالي التي خانته ولم ترع له عهداً ولا ذماما .

ثم انّ الاب المفجوع يُطلقها صرخةً يخاطبُ بها القبر

قائلا :

انّ فيك روحي التي انتُزِعَتْ مِنْ مفاصلي وعظامي ..

ولم يجد على عمق مصابه غير أنْ يقول بأنَّ روحي باتت في القبر، فهو اذن جسد بلا روح .

ومن هنا فقد تحوّل القبر لديه من مكان بغيض الى بقعةٍ عزيزة حبيبةٍ يُهدي اليها صوب الغمام …

ولن يقرأ الأبيات قارئ لبيب دون ان يتأثر بما ضمته من لواعج واحزان، بحيث يمكن ان تكون هذه الابيات سلوة لكل المفجوعين بالصغار …

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة