يحمل كل من النص الفلمي والنص المكتوب خصوصية وسمات محددة تميز أحدهما عن الأخر، ويقوم صانع الفيلم بخلق مسافات واصلة بينهما وأواصر تجسير ومقاربة واقعية ومحتملة لهذين الوسيطين التعبيرين واللذين يشكلان أبنية خاصة لكل منهما، ليتمكن في النهاية من جمعهما في خطاب واحد هو الفيلم السينمائي، (العلاقة بين هذين الوسيطين يمكن تتبعهما إلى طفولة السينما تقريباً).
فمع البداية الأولى للسينما استعمل العديد من المخرجين النصوص الأدبية أساسا للعديد من الأفلام التي صنعوها، وكان هناك تأثير متبادل بين الاثنين ويقول كريفث (أن العديد من تجديداته كان في الواقع مأخوذاً من صفحات ويكنز)، ويقول أزنشتاين ان روايات ديكنز قدمت لكريفث (عدداً من التقنيات بضمن ذلك ما يقابل الاختفاء التدريجي، والتداخل ، وتكوين الصورة والتجزئة الى لقطات، والعدسات الخاصة بالتحوير وأهمها جميعاً مبدأ المونتاج المتوازي، حتى أن ابزتشتاين حول الفصل الحادي والعشرين من رواية اوليفر تويست إلى نص تنفيذي ليدل على أحاسيس ديكنز السينمائية).
نفهم من هذا ان البدايات الأولى لفن التوليف او المونتاج كان له ما يعادله في النص الأدبي المكتوب، مما أتاح لمخرجين رواد مثل كريفث وازينشتاين خلق تقسيماتهم السينمائية المتجددة وخصوصا على مستوى المونتاج الذي اسهم بشكل فاعل فيما بعد بدعم قوة الايقاع في النص الفلمي وجذب انتباه المتلقي من خلاله اعتمادا على الشفرات الدلالية التي بثها النص الفلمي.
السينما أو النص الفلمي غير قابل للنقل المباشر للنص الأدبي إلا أذا أخضعته إلى تحولات فعلية، أي ان نقطع النص الأدبي، هو الطريق المنطقي والطبيعي الملازم لهذه الوسيلة العبقرية التي هي السينما، وبسبب اختلاف الزمن الروائي والزمن الفلمي يمكن للمخرج ان يتوفر على آليات الاختزال والتأثيث بواسطة تحليل الزمن الروائي والزمن الفمي الذي يقسمه «جيرار جينيت» إلى أربعة أقسام وهي :-
الحذف الذي يرمز في الرواية إلى القطع، الزمن الغائب، الخلاصة، وهي تشير إلى الزمن الذي نحذفه ونكثفه لأنه متعلق بالزمن السريع، الوقف، وهو عكس الخلاصة حيث يتم تطوير الزمن واغناؤه وجعله يمر بشكل بطيء، المشهد، يحيل المشهد الى المرجع الحسي للزمن الواقعي عند القارئ وهو ما يسمى بالزمن الحاضر.
وترى جان ماري كلبرك (أن أعادة حكي رواية مرة ثانية سيجعلها أكثر جمالاً ومتعة، لأنها ستصبح رواية أخرى مختلفة)، وإعادة الحكي عبر الوسيط السينمائي يعتمد في لغته على الدال الايقوني والدال اللساني والدال الموسيقي، من خلال تفكيك النص الأول وإعادة توزيعه بواسطة لغة جديدة هي لغة الصورة، وبهذا نكون أمام نص جديد ذي أشكال دالة جديدة متمثلة بالنص الفلمي الذي (هو عبارة عن فضاء وسائطي مولد لتبادليه جوهرية تضع السينما مكان الرواية).
أذن نستطيع أن نخلص إلى القول أن المادة الأدبية المكتوبة سواء كانت نصاً روائياً أو شعرياً، يتحول بتناوله من قبل السينما إلى نص آخر لا علاقة له بالنص الأصلي، ليس دائماً وذلك لاختلاف الوسيط وكذلك لاختلاف عناصر النص الجديد الفلمي وأدواته.
لذا فأن النص الفيلم هو نص قائم بذاته ،معتمداً على أدواته وله لغته الخاصة التي تتوفر على العديد من الدلالات التي تصل للمتلقي، هو كأي نص أخر خاضع للتأويل والتفكيك والتحليل الذي يقصد دراسته من خلال إخضاع كل عنصر من عناصره إلى دراسة تحليلية تسعى لكشف ما وراء الصورة التي هي وسيطه التعبيري والتي جعلته نصاً متميزاً عن النصوص الأخرى المقروءة والمسموعة وله بنية المعمارية الخاصة به، برغم انه كبنية قد يشترك مع نصوص أخرى في مكونات بنيته المعمارية وان تكن ليست بالشراكة التي تصل حد التقارب، فالحوار مثلاً هو إحد عناصر البنية المسرحي والروائي، كذلك فهو في النص الفلمي يشكل عنصراً رئيساً وفاعلاً في بنية هذا النص، كذلك فأن النص الفلمي يقدم للمتلقي خبرة فنية مشابهة لأدراك الإنسان للواقع عبر حواسه.
وقد كان هناك اعتراض على كون الفلم نصاً، خصوصاً فيما يتعلق بالمصطلح حيث أن استعمال كلمة نص كان يرتبط في البدء للإعمال الأدبية قبل ان ينسحب على الأعمال الفلمية وغيرها من الأعمال الفنية
ان فاعلية النص الفلمي تقودنا نحو فهم بنائية الصورة كمرتكز اساسي في التعبير الفلمي كنص، عندها يصبح النص نظاما نابضا بالنسبة للمشاهد والمحلل، ونظاما يطوع الشفرات في تشكيل خاص يدفعها لأطلاق رسالتها في سياق حدد نمطه مسبقا، ان النص اكثر بكثير من مجرد مجموعة او طاقم ، انه بالنسبة للمحلل الناجح والمشاهد الناجح نظام منطقي لعدد مفترض من الشفرات يمكنها ان تضفي قيمة على الرسالات.
العلاقة بين النص المكتوب والنص الفيلمي
التعليقات مغلقة