ديفيد شينكر*
أجبرت العمليّتان المروّعتان لقطع رأسيْ اثنين من الصحفيين الأميركيين إلى قيام إدارة أوباما المترددة بتغيير سياستها والتحوّل من محاولة احتواء تنظيم «داعش» إلى هزيمته.
سيكون إجبار «داعش» على التراجع معقداً. فالمعلومات الاستخباراتية المتوفّرة من المناطق التي تقع تحت سيطرتها غير مكتملة، كما أن استهداف الميليشيات المتمركزة في مناطق مدنيّة قد يكون صعباً ومكلفاً, وفي حين لم يتوانَ الرئيس أوباما عن نشر طائرات بدون طيار واللجوء إلى القوة الجوية لقتل الإرهابيين – باستثناء عملية أسامة بن لادن – إلا أن إدارته أبت أن تأذن بنشر قوات أميركية على الأرض.
وبالتالي، سيشكّل بناء الولايات المتحدة لتحالفات ـ مع عدة دول ـ المفتاح لهزيمة «داعش». ولكن على الولايات المتحدة أن تكون حذرة للغاية عند انتقاء هؤلاء الحلفاء.
وخلال الأسبوع الذي مر منذ قطع رأس الصحفي الأميركي الثاني ستيفن سوتلوف، أرسلت الإدارة الأميركية عدداً من كبار المسؤولين إلى المنطقة للحصول على التزامات دولها لمشاركتها في الحملة ضد «داعش». فقد سافر هؤلاء المسؤولين إلى الرياض وعمان وأنقرة، للبحث عن شركاء مستعدّين ظاهرياً لإرسال قوّات إلى العراق وربما إلى سوريا.
وتاريخياً، وباستثناء ملحوظ لـ «حرب الخليج» (1990-1991)، أثبتت الدول العربية تورّعها عن اتخاذ خطوة مماثلة ونشر قواتها على الأرض. وليس هناك شك في أنّ مصداقية الإدارة الأميركية المتقلّصة إقليمياً ستجعل الأمور أكثر صعوبة في إقناع حلفائها بالالتزام بهذه الخطوة.
ووفقاً لمصادر تركية، قامت أنقرة بالفعل بنشر بعض القوات في العراق لتعزيز مقدرة قوات البشمركة الكردية لمواجهة «داعش». ولكن هناك تقارير ذكرت أنّ تركيا رفضت طلبات الولايات المتحدة بتوسيع نطاق نشر هذه القوات.
وقد تتراجع تركيا – العضو في «حلف شمال الاطلسي» وإحدى الدول الشرق أوسطية القليلة التي لديها جيش فعلي – عن قرارها وتزيد من التزاماتها. ومن المرجح أن يكون الرئيس رجب طيب أردوغان قلقاً من أنّ يؤدي المزيد من التورط التركي المباشر إلى تعريض حياة العشرات من الأتراك، الذين تحتجزهم قوات «الدولة الإسلامية» حالياً، للخطر. ولكن في أحسن الأحوال، قد تسمح تركيا لطائرات التحالف باستخدام «قاعدة إنجرليك الجوية» في جنوب البلاد لاستهداف تنظيم «داعش».
وبالإضافة إلى ذلك، لم يتّضح بعد ما إذا كانت الأردن ستستطيع تقديم المساعدة. فالملك عبد الله كان مستعداً للغاية للتعاون مع التحالف خلال عملية غزو العراق عام 2003، ولكن سبق أن بدأ البرلمانيون الأردنيون بحملة تهييج ضد المشاركة في عملية عسكرية. كما أن القوى العسكرية والأمنية في المملكة ترزح مرهقةً تحت وطأة اللاجئين السوريين ومواجهة التهديدات على الحدود.
وفي ظلّ غياب المساعدة الحاسمة والالتزامات من قبل أصدقاء واشنطن منذ أمد طويل في المنطقة، قد تميل إدارة أوباما إلى طلب المساعدة من إيران وسوريا. فالحكم في كلتا الدولتين بيد الشيعة وكلتاهما تعتبر أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» المسلم السنيّ يشكّل تهديداً لهما. ولكن يجب على الرئيس الأمريكي مقاومة الإغراء بتكوين تحالف مع أعداء أعداء أمريكا. فمثل هذه الخطوة ستجعل الولايات المتحدة متحالفة مع الشيعة ضدّ السنة، الأمر الذي سيقوّض العلاقات مع حلفاء واشنطن الإقليميين التقليديين ويدفع بالسنّة إلى أحضان «داعش».
ولا تتوقّف الأمور عند هذا الحدّ؛ فوفقاً لوزارة الخارجية الأميركية إن إيران وسوريا دولتان راعيتان للإرهاب. فبالإضافة إلى تاريخ بشار الأسد الداعم للجماعات الإرهابية التي تقتل الأميركيين، ذبح نظامه ما يقرب من 200 ألف شخص منذ عام 2011، معظمهم من المسلمين السنّة. إن قتل السنّة في سوريا هو الذي تسبّب إلى حدّ كبير في جعل «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تصل إلى ما هي عليه اليوم. وقبل 11 أيلول 2001، كان عدد الأميركيين الذين لاقوا حتفهم على يد إرهابيين مدعومين من إيران أكثر من عدد الذين قُتلوا على يد أي جماعة إرهابية أخرى.
وبدلاً من التحالف مع هاتيْن الدولتين، حريّ بالولايات المتحدة اعتماد استراتيجية تستهدف كلاً من «الدولة الإسلامية» ونظام الأسد الوحشي، ربما من خلال ضرب الدفاعات الجوية السورية وإطلاق برنامج قوي لتدريب وتجهيز قوّات المعارضة المعتدلة التي تم التدقيق في توجّهاتها. فالديكتاتور القاتل في دمشق ليس بديلاً عن «داعش» أو الحكم الديني ـ الشيعي ـ في طهران. وبعد مرور ثلاثة عشر عاماً على أحداث 11 أيلول ، لا ينبغي طلب النفعية على المدى القصير بالتحالف مع الإرهابيين لهزيمة الإرهابيين.
*ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن