موسم التظاهرات

في جوابه على سؤال لفضائية (الحرة-عراق) حول طبيعة القيادة التي تدير التظاهرة التي انطلقت امام مجلس محافظة البصرة مؤخراً، يقول احد المشاركين فيها؛ انها تظاهرات عفوية. وعند التمعن في مثل هذه الاجابات التي تتكرر كثيرا مع قرب موسم انطلاق التظاهرات (اي فصل الحر الشديد وما يرافقه من عجز بالخدمات الاساسية وعلى رأسها الماء والكهرباء) سنتاكد مما اشرنا اليه مراراً في كتاباتنا ولقاءتنا ونشاطاتنا الاعلامية؛ أي عجز هذه النشاطات الحضارية (التظاهرات والاعتصامات و..) عن امتلاك هوية واضحة واهداف محددة، كما هو معروف عن مثل تلك السبل السلمية الراقية والواعية. في باكورة التظاهرات تلك على سبيل المثال (والتي لم يتجاوز عدد المشاركين فيها المئتي متظاهر) يطلع المشاهد على عدد كبير وواسع من اليافطات والشعارات والعبارات التي تبدأ بالحاجات والخدمات والحقوق الاولية ولا تنتهي الا باقالة الحكومة المحلية لاقامة “حكومة مدنية محلها” ووسط كل ذلك تجد مثلا شعار “جاءك الزون … يا تارك الصلاة” وهي جميعها ملامح تشير الى استمرار القوم على اطلاق مثل هذه النشاطات والتي تنتهي غالباً الى احضان القوى والكتل المهينة، من دون أن يكلفوا أنفسهم في البحث عن علل عودتهم دائماً لا خاليو الوفاض وحسب، بل تحول فزعاتهم تلك الى خدمات مجانية لصالح من خرجوا للتظاهر ضدهم.
في قراءة مثل هذه النشاطات نحتاج الى تفكيك طبيعة القوى والمصالح والدوافع المنخرطة فيها، ومن خلال الشعارات والخطابات التي تتضمنها والمشتركين بها (افرادا وجماعات) يمكن التعرف على طيف واسع من التوجهات والاجندات المتنافرة احياناً (سياسيا واجتماعيا وقيمياً..) وهي تنتهي غالباً لتصب في صالح الكتلة الاكثر تماسكاً ونفوذاً، وهذا لا يتناطح عليه كبشان. كان بمقدور النشاطات الحضارية السلمية لعب دور كبير في رفع وعي قطاعات واسعة من العراقيين، وبالتالي مساعدتهم على امتلاك هرم اولويات متوازن لاسترداد وتفعيل حقوقهم الدستورية. ان الاصرار على اطلاق مثل هذه التظاهرات في موسم الحر، وعلى نفس الوتيرة والشعارات والخطابات والرايات والعناوين والاشخاص، من دون ادنى اهتمام لما تمخضت عنه سابقاتها، والتعرف على علل عجزها واخفاقها عن تحقيق أبسط مطالبها، سيعزز ثقة الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة بقدرتها على الاستمرار والتغول في انتهاك الحقوق المشروعة للعراقيين، وان مثل تلك الفزعات لن تتعدى كونها “تظاهرات صيف” لا أكثر ولا أقل..
لا نحتاج الى ذكاء استثنائي كي نتعرف على القوى والاشخاص والجماعات المتخصصة بركوب موجة هذه الاحتجاجات، ولا نحتاج الى معطيات واسعة كي نتاكد من الاضرار التي الحقوها بمثل هذه النشاطات التي ينتهي بها المطاف الى اهدار الوقت والجهد واستنزاف الطاقات، من دون تحقيق اية خطوة صوب ذلك الكم الهائل من الحقوق المهدورة. على المتظاهرين الشباب وأصحاب الحقوق المهدورة التمعن جيداً بالخطوات التي يخطونها على هذا الطريق، فمن دون الوعي والحذر وتراكم التجربة والتمهيد لولادة ملاكات مستقلة تتمتع بسيرة لا غبار عليها، جديرة بقيادة مثل هذا الحراك بروية وصبر وحكمة بعيدا عن حطام الاحزاب والنقابات والجماعات المتربصة بهم؛ سيجدون انفسهم بعد انتخابات العام 2022 أمام ممثلين لهم في مجلس النواب يجعلوهم يترحمون على ممثليهم الحاليين، كما حصل مع الدورات الانتخابية السابقة…

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة