المحكمة الاتحادية، هي السد الذي يحمي الدستور والنظام العام من سيول المخالفات والتجاوزات من قبل الأفراد او الدولة، وهي الهيأة العليا التي تسعى الى بث الروح في نصوص الدستور.. وجودها من وجود الدولة، فلا يمكن لأي دولة، تصف نفسها بأنها دولة ديمقراطية، أن تكون بلا محكمة عليا، يتم اللجوء إليها في حال تعرض الدستور أو القانون إلى خطر التجاوز والتعدي.. تجربة المحكمة الاتحادية أو المحكمة الدستورية في العراق، وجدت بعد التغيير، وبعد الافصاح عن شكل الدولة الجديدة، حيث إن مجرد الإعلان عن إن فصل السلطات أحد أشكال الحكم الجديد، تم تشكيل المحكمة الاتحادية، وتم النص عليها بموجب أحكام قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وتشريع قانون رقم 30 لسنة 2005 والنظام الداخلي لها، ونص الدستور الدائم عليها بموجب أحكام المواد 92 و93 و94.. وبرغم التبيان والاختلاف بين ما نص عليه القانون رقم 30 وبين الدستور، إلا إن المحكمة مازالت تمارس اختصاصاتها على وفق القانون 30، ذلك ان الخلافات السياسية، وعدم وجود رؤية موحدة للكتل السياسية، اسهم بعدم تشريع قانون جديد للمحكمة، برغم عرض مسودة قانون على مجلس النواب، منذ عدة سنوات.. مؤخرا، تم نشر مسودة قانون جديد للمحكمة، ذلك أن الوقت حان لتشريع قانون جديد للمحكمة، يتناسب مع نصوص الدستور، ولمرور مدة طويلة على تشريع القانون رقم 30، من دون تعديله.. مسودة القانون المنشورة في موقع مجلس النواب، ولأهميتها لابد من الوقوف عند جميع فقراتها، وتحليلها بغية الكشف عن مضامين تلك المسودة، وبيان مدى موافقتها للدستور، ومدى قدرتها على أن تكون قادرة على النهوض بعمل المحكمة.. المادة الأولى من المسودة، نصت على إن رئيس المحكمة الاتحادية، هو رئيس للسلطة القضائية الاتحادية.. وبالعودة الى الدستور، نجد أن المادة 87 نصت على ان السلطة القضائية، مستقلة، تتولاها المحاكم، وان المادة 89 ذكرت مكونات السلطة القضائية، ومنها المحكمة الاتحادية.. وهذا يعني ان الدستور لم ينص على وجود رئيس للسلطة القضائية، إذ أن السلطة القضائية تمارسها المحاكم، ولا يوجد نص يشير الى ان يتولاها شخص محدد أو رئيس.. كما ان جميع مكونات السلطة القضائية، لها المركز القانوني نفسه ، ولا يمكن لأي مكون ان يكون أعلى من بقية المكونات من خلال جعل رئيسه رئيسا على باقي المكونات.. كما ان قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 نص على أن مجلس القضاء الأعلى يتكون من مكونات السلطة القضائية نفسها ، التي تنص المادة الأولى من المشروع على ان يكون رئيس المحكمة الاتحادية رئيسا لها.. فهنا، نجد تعارضا واضحا بين المادة الأولى من مشروع القانون وبين المادة الأولى من قانون مجلس القضاء الأعلى.. وان المادة 2 فقرة ثالثا نصت على ان يتولى مجلس القضاء الأعلى ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا من القضاة، وان المادة 3 من القانون 30 لسنة 2005 نص على ان تعيين أعضاء ورئيس المحكمة الاتحادية من قبل مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى، في حين ان المادة 3 من مسودة القانون، تنص على ان المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى ومجالس القضاء في الأقاليم، هي التي تتولى ترشيح رئيس المحكمة وقضاتها ونائبه.. أي بمعنى ان المحكمة الاتحادية، تشارك في عملية ترشيح الرئيس والأعضاء، وهذا غير مألوف، كون ان الترشيح يتم غالبا من قبل جهات اخرى، وليس من قبل الجهة نفسها.
سلام مكي