قرار المحكمة الاتحادية الأخير، القاضي بعدم دستورية المادة 3 من الأمر رقم 30 لسنة 2005 والذي تنص على أن رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناءً على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى، أشار الى جملة من الأمور والقضايا القانونية والقضائية والتشريعية التي لابد من الوقوف عندها، ودراستها، كونها تخص أعلى جهة قضائية وهي المحكمة الاتحادية التي تعد السند المنيع بوجه محاولات خرق الدستور او القوانين..
المحكمة أصدرت قرارها بعد ادعاء من قبل أحد المواطنين، بأن استمرار قيام مجلس القضاء الأعلى بترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية لا سند له في الدستور الدائم، حيث ان تلك الصلاحيات كانت موجودة في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الملغي..
وكان من ضمن دفوع المدعى عليه رئيس مجلس النواب إضافة لوظيفته، أن المدعي لا مصلحة له في إقامة هذه الدعوى، كون إن من شروط إقامة الدعوى على وفق قانون المرافعات، وجود مصلحة للمدعي، ولكن المحكمة بينت أن مصلحة المدعي تكمن في وجود نص مخالف للدستور وأن العدالة هي هاجس لكل مواطن، لذا فإن المصلحة موجودة للمدعي. وبهذا فإن المحكمة أرست مبدأ مهما وهو أنه بإمكان أي مواطن، يرى أن هنالك نص في قانون أو تعليمات يخالف الدستور يمكنه أن يرفع دعوى امام المحكمة الاتحادية للمطالبة بالحكم بعدم دستوريته.
وهو معنى كاشف لمفهوم المصلحة التي نص عليها قانون المرافعات، ذلك أن وجود نص قانوني مخالف للدستور، يؤثر على مصلحة أي مواطن في الأمد البعيد.. وقد نصت المادة 6 من قانون المرافعات على أن من شروط إقامة الدعوى وجود مصلحة حالة ومتحققة وممكنة، وان المصلحة المحتملة تكفي إن كان هنالك ما يدعو الى التخوف من إلحاق الضرر..
وعليه فإنه يمكن تلمس وجود مصلحة محتملة للمدعي ولأي مواطن، فيما لو استمر نفاذ المادة 3 من الأمر 30 المطعون بدستوريتها. الجانب الأهم في القرار أنه حكم بعدم دستورية المادة 3 وإشعار مجلس النواب بتشريع مادة بدلية عن المادة 3 ضمن مشروع قانون المحكمة الاتحادية المعروض امام مجلس النواب للتصويت عليه. وبالعودة الى مشروع القانون، نجد أن المشرع نص فعلا على آلية ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية سواء من القضاة أو خبراء الفقه الاسلامي او فقهاء القانون، وقد بينت المادة 3 من المشروع أن الترشيح يكون عن طريق المحكمة الاتحادية نفسها وعن طريق مجلس القضاء الاعلى ومجالس القضاء في الأقاليم في اجتماع مشترك.. أي بمعنى ان المادة المراد لها أن تكون بديلة للمادة 3 أسندت هي الأخرى مسؤولية اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية من رئيس ونائب وأعضاء قضاة..
في حين أن السبب الذي استندت عليه المحكمة الاتحادية في حكمها بعدم دستورية المادة 3 فيما يتعلق بصلاحية مجلس القضاء الاعلى بترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا وذلك لمخالفته أحكام المادتين 91 ثانيا و 92 من الدستور. وهذا يعني ان المادة المراد تشريعها هي الأخرى تخالف الدستور، لذا لابد من تعديلها لتكون متوافقة مع أحكام الدستور وقرار الاتحادية.. مما تقدم، نجد أن قرار المحكمة الاتحادية أضاف مسؤولية كبيرة على مجلس النواب تتمثل بضرورة الاسراع بإقرار قانون المحكمة الاتحادية الجديد نظرا لما تركه ذلك القرار من فراغ تشريعي..
سلام مكي