قبل أربعين عاماً وبعد ان أجبرت التظاهرات والاشتباكات العنيفة في ساحات وشوارع طهران والمدن الايرانية الاخرى، شاه ايران على ترك قصوره وامبراطوريته وعرشه الطاووسي، عاد الى طهران آية الله الخميني (في الاول من شباط من العام 1979) قادماً من منفاه الأخير باريس، ليؤسس لاحقاً ما عرف بـ (الجمهورية الاسلامية الايرانية). في ذلك العام المضطرب من تاريخ المنطقة الحديث، ظهر الى الوجود نظام حكم يخضع فيه رئيس الجمهورية المنتخب وكذلك باقي السلطات العليا لارادة شخص آخر هو (المرشد الاعلى) بوصفه أعلى سلطة سياسية ودينية في الدستور الذي سن لهذه النسخة المبتكرة من الجمهوريات.
بعد عشر سنوات (1979-1989) رحل آية الله الخميني ليحل محله المرشد الحالي للثورة والدولة الايرانية السيد علي الخامنئي. أربعون عاماً (1979-2019) انقضت من عمر آخر ثورة شعبية عرفها القرن العشرين؛ وما زالت بلاد فارس القديمة مسكونة بشعارات وفواتير سياسية وعقائدية فقدت الكثير من صلاحيتها وجدواها منذ زمن غير قريب، وهذا ما أدركه الكثير من قادة الثورة التاريخيين أنفسهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ علي أكبر رفسنجاني والذي رحل بشكل مفاجئ قبل أقل من عامين (العام 2017).
من يعرف شيئاً عن تلك الانعطافة التاريخية في حياة ايران المعاصرة، يعلم ان تلك الثورة الشعبية كانت مترعة بالكثير من الغايات والتطلعات المشروعة للايرانيين من شتى الرطانات والهلوسات والازياء، وعلى رأس ذلك كان شعار الحرية (آزادي) وما يتجحفل معه من حقوق ومناخات وتشريعات تنتصر لكرامة من حاولت شرائع السماء تكريمه ذات فجر. لكن وبفعل حزمة من الشروط المحلية والدولية، منها على سبيل المثال اندلاع اطول وأبشع حرب عرفتها المنطقة في تاريخها الحديث (الحرب العراقية الايرانية 1980-1988) قد مهدت الطريق لأن تأخذ تلك الثورة طريقاً آخر، تنحصر فيه السلطات ومقاليد الامور تدريجياً بيد فئات وشرائح محددة وضيقة، لينتهي بها المطاف الى تطويب الحريات والحقوق حصراً بمن تنطبق عليه مسطرة (الولاء والبراء) والتي حرمت الملايين من الايرانيين من حقوق المواطنة والعيش الحر في بلدهم الام. وهكذا تحول حلم الثورة بصنع أمة ايرانية موحدة ومزدهرة؛ الى غير ذلك تماماً حيث شهدت ايران الجديدة موجات متتالية من هجرة العقول والكفاءات واعداد هائلة من الشباب، وكما يقول احد الكتاب الايرانيين في تقييمه لما جرى: (بدلاً من سياسات حكومية موحدة للمجتمع الايراني ومعززة لروح التضامن بين افراده وجماعاته، خلقت معسكرين متناحرين (المقربين والمنبوذين) حيث يحضى المعسكر الاول بكل ما يحلمون به من امتيازات وحقوق، والجماعة الاخرى محرومون من أبسط حقوق المواطنة وشروط الحياة الانسانية).
عندما نتابع ما تمر به ايران اليوم، وبعد مرور 40 عاماً على ذلك الحدث الاهم والاخطر في تاريخها الحديث؛ نجدها تواجه تحديات ومخاطر أشد، لا بسبب كراهية ومؤامرات “الشيطان الاكبر” وباقي الشياطين من شتى الالوان والاحجام لهذه “الثورة” المستمرة، وهذا ما تضمنه تصريح رئيس الجمهورية الحالي الشيخ حسن روحاني: (تواجه البلاد أكبر ضغط وازمة اقتصادية منذ40 عاماً)، وفيه تنصل الشيخ روحاني عن مسؤولية حكومته ملقياً اللوم في ذلك على سياسة واشنطن الجديدة، وهذا ياتي منسجما ونوع المناخات والمصالح والقوى التي ما زالت تدفع باتجاه المزيد من المحطات المريرة في ملف الاشتباك المرير بين الثورة والدولة..
جمال جصاني
بعد 40 عام.. اشتباك مرير
التعليقات مغلقة