بمناسبة مرور عام على رحيله
« ليس بمقدور الانسان ان يغطي جميع الاحداث والوقائع في حياته ، عندما يروم ان يسجل نوعا من الذكريات او بعضها ولذلك يكتب احيانا هذه الذكريات موجزة او محددة بمعنى انها لا تفي بهدف الاكتمال كما يرى البعض ..
بهذه الكلمات المعبرة كتب الراحل الدكتور مهدي الحافظ ، مقدمة اخر كتبه (محطات في حياتي) .. وكأنه يلتمس العذر ممن يعتبون عليه ويطالبونه بتدوين تاريخ حافل بالأحداث الكبيرة والتي تركت اثرا كبيرا على المستويين الوطني والدولي ..كان يريد ان يقول اعذروني ان لم اتمكن من كتابة كل ما تحت جنباتي فهو كثير وساعات الحياة لن تكفي للبوح به .. متنبئا بقرب وصوله إلى محطته الاخيرة و سيترجل من على صهوة جواده بعد ان خاض غمار الكثير من المعارك في جميع الاصعدة … فهو لم يكن من المؤمنين بنظرية الامر الواقع .. فالواقع نتاجنا ونحن نغيره ان اردنا ذلك .
في الشامية مدينة العنبر ابصر الحافظ نور الحياة ، بين حقول «الشلب» المترامية فحمل معه تلك الطيبة التي تشبه رائحة وطعم العنبر , ومن الشامية وعنبرها وطيبة اهلها انطلق إلى العوالم الاخرى حاملا معه هموم وآلام شعب ينتظر منقذا ، ليحلق عاليا في سماء العلم والنضال والجهاد الحقيقي فامضى حياته مناضلا في جميع الساحات
كان الحافظ الذي رحل في الثاني من تشرين الاول 2017 يريد ان يؤسس لمرحلة جديدة من التخطيط السليم من خلال اشراك القطاع الخاص في التنمية ، فهو من اشد الداعمين لوجود قطاع خاص فاعل ومؤثر .. وعلى الرغم من ان وجوده على رأس وزارة التخطيط لم يدم طويلا ، الا انه تمكن من التأسيس للكثير من السياسات التنموية السليمة ، فله يعود الفضل في الحفاظ على بقاء وزارة التخطيط ، عندما كانت سلطة الائتلاف المؤقتة تريد الغاءها لعدم وجود وزارة نظيرة لها في الولايات المتحدة الاميركية ، فوجد الحل في تغيير اسم الوزارة ، لتكون وزارة التخطيط والتعاون الانمائي ، واقنع الاميركان ان الوزارة لها مهام اخرى غير التخطيط ، فهي معنية بتطوير التعاون مع بلدان العالم وأنها تعنى ايضا بقضايا التنمية بجميع تفاصيلها ،.. كما نجح الحافظ في تأسيس وترؤس اول هيئة وطنية للاعمار في العراق ، محاولا اعادة العمل بمبدأ مجلس الاعمار الذي تأسس عام 1950 لغاية 1959 ، ونجح في حشد الكثير من المواقف الدولية الداعمة للعراق تمخض عنها انعقاد مؤتمر مدريد للدول المانحة عام 2004 وما نتج عن ذلك المؤتمر من حصول العراق على مُنح وإعانات دولية جيدة ، تلا ذلك المؤتمر عدة مؤتمرات اخرى من بينها مؤتمر طوكيو ومؤتمر الدوحة ، ولم تتوقف جهوده وهو ما يزال وزيرا للتخطيط ، فقد بذل جهودا كبيرة في معالجة ملف الدين العراقي المتضخم بسبب سياسات وحروب النظام السابق وحقق نجاحا كبيرا في تسوية الكثير من الديون التي كانت تثقل كاهل الاقتصاد العراقي في اطار نادي باريس .. وعلى الرغم من صعوبة الظروف التي كان يواجهها العراق في تلك الفترة ، إلا ان الحافظ كان يسعى بقوة لإجراء التعداد العام للسكان ، مقدرا اهمية هذا المشروع لدعم التنمية من خلال ما يوفره من بيانات تنموية مهمة من شأنها مساعدة المخططين وراسمي السياسات الاقتصادية من وضع الخطط التنموية السليمة ، إلا ان الخلافات السياسية وغياب التوافق حال دون تنفيذ هذا المشروع الحيوي ولو كان نجح في هذا المسعى لجنب البلاد الكثير من المشكلات المالية والاقتصادية التي تعصف بنا اليوم .
كان الحافظ – رحمه الله – يمتلك رؤية ثاقبة للواقع التنموي بفضل خبرته الكبيرة وما يحمله من تأهيل علمي (دكتوراه في الاقتصاد) ممزوجة بحسه الاجتماعي وتحليله الكيمياوي ، ولو قدر له ان يستمر في ادارة ملف التخطيط والاعمار في العراق لسنتين اخريين لكان الوضع مختلفا تماما عما الت اليه مسارات الاحداث بعد ذلك
عبد الزهرة محمد الهنداوي
مهدي الحافظ .. والسعي لتمكين القطاع الخاص
التعليقات مغلقة