من بغداد الى الفلوجة
الصباح الجديد – متابعة:
عاد عماد حسون يقود قطاره بعد انقطاع لسنوات بين بغداد ومدينة الفلوجة غرب بغداد، مروراً بمناطق صحراوية تنتشر فيها مقابر ودبابات وسيارات محترقة وبقايا مبان وجسور مدمرة.
وتجسد المشاهد على امتداد الرحلة التي يقوم بها حسون ومساعده يوميا، ضراوة المعارك التي دارت في تلك المناطق لطرد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرتدي الرجلان زي سكك الحديد العراقية التي أسست قبل قرن، باللونين الأبيض والأزرق الفاقع. واستمرا في رفع التحدي لسنوات طويلة أعقبت غزو العراق من القوات الأميركية العام 2003، عن طريق القيام بالرحلات خلال المعارك التي خاضتها القوات الأميركية في المنطقة وما أعقبها من أحداث عنف طائفي. لكن اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية عام 2014، لمناطق واسعة بينها الأنبار حيث تقع الفلوجة، أدى الى شلل حركة سكك الحديد العراقية ووقفها في مناطق كثيرة في شمال وغرب البلاد حيث آثار الدمار في كل مكان.
ويقول الكابتن حسون (30 عاما)، وهو يقود قطارا صيني الصنع من طراز “دي أم يو” بسرعة لا تزيد عن مئة كيلومتر في الساعة للحفاظ على قضبان السكة التي أصلحت بجهود العاملين في القطاع “لم أكن أتصور أن القطار سيعود يوما ما للمرور من هنا”.
– “الناس سخروا منّا” –
ويستذكر رئيس مهندسي السكك في الفلوجة يوسف ثابت قائلا “عندما استأنفنا العمل، كان الناس يسخرون منا… لكنهم صدقوا بعد وصول أول رحلة، والآن يطلبون زيادة عدد القطارات”.
ولا يزال مبنى محطة القطار التي وضع فيها عدد من المقاعد البلاستيكية مدمرا. لكن المحطة حيوية لتأمين الوصول الى العاصمة، وهي البديل الوحيد عن الطرق المزدحمة التي تعج بالغبار ويواجه سالكوها أحيانا مفاجآت مثل منع مرور حافلات صغيرة من دون مبرر، ما يجبرها على العودة بمسافريها من حيث جاءت.
ويفضل علي أحمد (26 عاما) الذي اعتاد ركوب حافلات لسنوات طويلة للوصول الى جامعته في بغداد، واليوم يكمل عامه الأخير في دراسة الطب “عربة مكيفة تقطع الطريق في ساعة ونصف بدون تحمل دخان سجائر” من هم حوله.
في العربة المخصصة كمقهى، هناك لوحة تشير الى أن الحرارة في الخارج 43، وسرعة القطار 91 كيلومترا في الساعة. ويدخل إليها سنان ماجد (28 عاما) وهو يحمل صندوقا مليئا بملابس لعرضها في متجره في الفلوجة. ويؤكد الشاب وهو يجلس بين أصدقائه، أن “القطار لا يتأخر (في الوصول)، ووقت المغادرة معروف”.
وتعتبر لمياء أحمد (38 عاما)، وهي مدرسة، أن التنقل بالقطار أمر جيد، وقد ركبت القطار للتوجه الى بغداد لإكمال وثائق رسمية في دوائر حكومية في بغداد.
ويذكر عمر خليل (38 عاما)، وهو حلاق، بينما يجلس على مقعد مغطى بقماش أحمر، إنه متوجه الى بغداد لشراء قطع غيار لسيارته. ويلفت الى أن “ثمن التذكرة ألفا دينار” (حوالى 1,5 دولار)، فيما تكلف الرحلة في حافلة صغيرة ثلاثة آلاف وخمسمئة دينار(حوالى 3 دولارات) وتصل الى عشرة آلاف دينار في سيارة الأجرة .
– “دمار 90 بالمئة ” –
وينطلق القطار الذي يحمل شعار السكك الحديد العراقية، باللونين الأحمر والأخضر، من الفلوجة عند الساعة 6,45 صباحا قاطعا 65 كيلومترا ليصل الى بغداد، ليغادر بعدها عند الثالثة بعد الظهر، في جدول رحلات يتناسب مع أوقات دوام الطلبة وموظفي الدوائر الحكومية.
ويقول عبد المطلب صالح، مدير النقل في محافظة الأنبار، الموجود على متن القطار لوكالة فرانس برس إن “معدل المسافرين 250 يوميا، بين مغادرة وواصلين”.
ويسعى العراق الذي تمتد بين مدنه ألفا كيلومتر من خطوط سكك الحديد كانت تصل عام 1940 حتى أسطنبول، وبرلين الى إحياء سكك الحديد لتؤمن وصل جميع مناطق البلاد ببعضها.
ويوضح نائب المدير العام لسكك الحديد العراقية طالب جواد كاظم لفرانس برس أن خط سكة الحديد من بغداد – عكاشات (قرب الحدود مع سوريا)، يعمل حتى مدينة الفلوجة فقط حاليا. فيما لم تتوقف خطوط السكك التي تصل الى مدينة البصرة في جنوب البلاد، ومدينتي النجف وكربلاء المقدستين في الوسط، عن العمل خلال السنوات الماضية.
وتبذل السكك الحديد حاليا جهوداً لإعادة افتتاح الخط الذي يمتد من بغداد الى سامراء وتكريت وبيجي الواقعة في شمال بغداد.
ويشير كاظم الى أن بلاده خصصت مبلغ 137 مليون دولار في عام 2016 لشراء 12 قطاراً جديداً من الصين. ولكن لا يزال الواقع بعيدا عن ال72 خطا التي كانت تعمل يوميا في العراق قبل بدء الحظر الدولي على العراق خلال عهد الرئيس المخلوع صدام حسين في التسعينات.
وتبقى المهمة الأصعب بالنسبة الى السكك الحديد، تأمين الوصول الى سوريا أو الموصل، المعقل الرئيسي السابق لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، إذ تعرضت “محطات وسكك ومعدات وجسوره وقنوات” الخطوط المؤدية اليهما، الى “دمار يصل الى 90 بالمئة”، وفقا للمسؤول.
كما تواجه عمليات إعادة تأهيل شبكة السكك الحديد معوقات أخرى، بينها تواجد أطفال بين العائلات التي تعيش في مساكن عشوائية بنيت في مواقع قرب مناطق امتداد سكك الحديد. ولا ينقطع هؤلاء الأطفال عن رمي الحجارة على القطار، ما يؤدي الى تكسر النوافذ.