هيا بنا نركض !

يقولون ، كل تأخيرة وبيها خيرة .. وتأخير اعلان نتائج الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في شهر مايس الماضي ربما كان فيه شيء من الفائدة ، اذ لو مضت الامور بما آلت اليه النتائج مع ذلك الصخب العالي والاعتراضات والطعون والشكوك التي اكتنفت اجراء الانتخابات لكنا اليوم في مشهد عارم من الفوضى والتي قد لا تسمح مطلقا باكتمال حلقات السلطة الثلاث (رئاسات البرلمان – الجمهورية – الحكومة) .. وهي في الوقت ذاته اعطت فرصة مناسبة للكتل السياسية لتعيد النظر في الكثير من المسارات التي كانت تعتمدها ، لاسيما بعد موجات التظاهرات التي اجتاحت محافظات الوسط والجنوب ، وكانت بمنزلة الناقوس او جرس الانذار لجميع الكتل السياسية ، بان عليها ان تنتبه لحالها وتسارع إلى التعاطي الايجابي العملي مع الواقع العراقي بعيدا عن الشعارات التي لم تعد تعني شيئا لمواطن يبحث عن متطلبات العيش الكريم .. ومن هنا كانت الاشهر الثلاثة الماضية فرصة مناسبة للسياسيين منحتهم متسعا للتفكير ووضع البرامج المتماهية مع مطالب الشارع ومعرفة كيف يفكر الشركاء الاخرون ، وبالتالي فان ذلك من شأنه ان يسهل عمليات التحالفات وتشكيل الكتلة الاكبر وفقا للتوقيتات الزمنية الدستورية .
اما الان وقد اسدل الستار على قضية الانتخابات بعد ان اثير حولها الكثير من اللغط ، وبصرف النظر عما آلت اليه مسارات الاحداث فهذه هي النتائج النهائية بعد اجراء عمليات العد والفرز اليدوي ، وعلى الجميع التسليم بها ، فقوس الصبر والتأخير لم يعد فيه منزع .. فقد فاز من فاز وخسر من خسر .. ,ولهذا فالذين فازوا تنتظرهم مهمة اقل ما يقال عنها انها جسيمة ، وعليهم الاستعداد لهذه المهمة .. اذ ينبغي على الجميع مغادرة المكاتب الفارهة والانتقال الى الميدان ، وتحديد خط شروع يبدأ من حيث ستنتهي الحكومة الحالية ، ومن ليس لديه اللياقة الكاملة للمشاركة في هذا السباق الذي سيكون صعبا جدا ، عليه ان يتحول الى مهمة اخرى ويترك المضمار لغيره .. انه سباق الركض الوطني ..اقول سباق الركض الوطني لانه يمثل صورة مغايرة لمرحلة جديدة ينبغي ان تكون مختلفة تماما عن سابقاتها من المراحل ، لان المعطيات تشير الى ان احد اسباب تردي الخدمات وعدم انجاز المشاريع العملاقة التي انفقت عليها مئات المليارات من الدولارات ولكنها للآسف ذهبت مع الريح ، انما جاء نتيجة لقلة المتابعة او انعدامها من قبل المسؤولين المعنيين ، والاكتفاء بالتقارير الورقية التي يكتبها الفاسدون في بعض الاحيان وهي تقارير لا تعكس الواقع انما تغطي على الفساد ، فكانت الكثير من المشاريع تبقى في مهب الريح ، ولو كان المعنيون يقومون بزيارات ومتابعات ميدانية لتلك المشاريع واتخاذ اشد العقوبات بالمقصرين عند وجود أي انحراف في العمل ، لما وصلنا الى الحال الذي وصلنا اليه .. والمتابعة الميدانية التي نتحدث عنها لا ينبغي ان تكون استعراضية ، تتسبب بردود فعل سلبية من المواطنين لأنها تتسبب في قطع الطرق ومنع الحركة بسبب ضخامة المواكب وكثرة الحواشي ، وبعد ذلك البحث عن مكان الغداء وكم عدد الخراف التي ستنحر تحت قدمي المسؤول الزائر الذي لن يرى من المشروع سوى الكشوفات الورقية التي تشير الى ان نسبة الانجاز تجاوزت الـ(85%) .. ولم يبق من المشروع الا (15%) سيتم انجازها خلال 6 او سبع سنوات !!! وهكذا تبقى الـ(85%) المزعومة تنتظر الـ(15%) التي لن تأتي ابدا ، لان المقاول اختفى بعد ان تسلم السلفة التشغيلية للمشروع !!
خلاصة القول ، ان اهل العراق يريدون تغييرا ملموسا في واقعهم الخدمي بعيدا عن ( هذا الي وهذاك الك) ومثل هذا التغيير لن يتحقق ما لم يشارك الجميع في مضمار الركض الوطني وعندها سيرون النتائج المذهلة التي ستتحقق في الميدان .
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة