سعود الشرفات
المؤشر هو أداة قياس إحصائية رقمية (كمّية) تُحوّل بموجبها الوحدات المقاسة للأحداث والاتجاهات والظواهر الطبيعية والإنسانية إلى وحدات وأرقام. وتستخدم لغرضين أساسيين: الأول، تحديد حجم المشكلة وقياسها قياسا دقيقاً للوقوف على الوضع الراهن لها. والثاني، استخدام المؤشر في متابعة الخطة الموضوعة وتقييم الأداء أولا بأول والوقوف على التقدم نحو تحقيق الأهداف سواء كانت قصيرة أم متوسطة أم طويلة.
وهناك الآن مئات المؤشرات المعروفة في العالم في شتى المجالات ومناحي الحياة، وتصدر أهمها عن الأمم المتحدة والبنك الدولي، والبعض الآخر يصدر عن مؤسسات ومراكز دراسات وأبحاث ربحية وغير ربحية، ومنظمات غير حكومية. وفي النهاية فإن معظمها متاح للجميع على شبكة الأنترنت لاستخدامها والاستفادة منها.
هناك ضرورة لأن تمتلك الدول مؤشراتها الخاصة، وأن تصدر بصورة دورية منتظمة بما يساعد ويسهم في صحة ودقة وشمولية المؤشرات العالمية مثل تلك الصادرة عن الأمم المتحدة والبنك الدولي. وفي الدول العربية – تحديداً- هناك الكثير من المؤشرات الخاصة، وإن كان معظمها في القطاعات الاقتصادية. وقد يكون هذا مرده إلى عقلية تحسين الصورة وحملات العلاقات العامة والدعاية أمام الدول والمؤسسات المانحة؟
وفى المقابل، تبدو التجربة الأميركية صاحبة الريادة في هذا المجال وتحديدًا فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب. تعاونت الحكومة الاميركية مع إدوارد ميكولس وأخرين لإنشاء مؤشرات للإرهاب منذ عام 1982، تركز على خصائص الجماعات الإرهابية والبيئة التي تنشط بها وتأثيرها العالمي، وتغطي الإرهاب منذ عام 1960 تحت اسم « مؤشرات الإرهاب الدولي في قاعدة بيانات الأحداث الإرهابية، وهي مثال باهر على كيفية تعاون الدولة مع القطاع الخاص في سبيل المصلحة العليا للدولة وأمنها العام. ما زالت أدبيتها تُنشر بالتعاون مع مطبوعات جامعة ايوا، وغرين وود. ومتوفرة على شبكة الأنترنت.
كذلك فقد موّلّ ودعم “مكتب التحقيقات الفيدرالية» ووزارة العدل ومديرية الأمن الداخلي الاميركية البرفسور (غاري لافري)، أستاذ علم الجريمة في جامعة ميرلاند –كولج بارك وزملائه منذ 2005 لإنشاء ما يسم بقاعدة بيانات « دراسة الإرهاب والرد على الإرهاب « التي تهتم بتغطية ظاهرة الإرهاب العالمي منذ عام 1970 حتى الآن. وهي قاعدة البيانات نفسها التي يعتمد عليها «مؤشر الإرهاب العالمي» الذي يصدره مركز دراسات «معهد الاقتصاد والسلام» الذي أنشأه رجل الأعمال الأسترالي (ستيفن كليليا) والذي يعد من أهم وأشمل مؤشرات الإرهاب العالمي المعاصرة.
كذلك قام «مكتب التحقيقات الفيدرالية» وزارة العدل بدعم وتمويل ما يسمى بالمعهد الوطني لمكافحة الإرهاب لمدينة أوكلاهوما، وهي منظمة غير ربحية تم تأسيسها بمبادرة فردية من أهالي ولاية أوكلاهوما الذين فقدوا أبناءهم جراء العملية الإرهابية للذئب المنفرد (تيموثي ميكفي) بتفجير مبنى الحكومة في مدينة أوكلاهوما عام 1995.
أردت من العرض أعلاه إعطاء مثال بسيط على كيفية تعاون مؤسسات المجتمع المدني خاصة الجامعات مع مؤسسات الدولة حتى الأمنية والاستخبارية منها. وهذا للأسف ما يفتقده العالم العربي حتى الآن. هذا إذا استثنينا بعض التجارب الشكلية في بعض الجامعات العربية. المثير في الأمر؛ أنه حسب علمي – ليس هناك أي دولة عربية لديها «مؤشر عام للإرهاب» سواء الداخلي أو الخارجي، حسب المواصفات التي أشرنا إليها في الأمثلة الأميركية أعلاه. وخطورة ذلك؛ أن أي باحث أو مهتم بظاهرة الإرهاب يجد نفسه ضائعا وعاجزاً عن رصد تطور الظاهرة تاريخيا؛ وحتى أن كان هناك أرشيف صحفي فأنه مشتت وليس مبوباً باسم الظاهرة، وأن كان موجوداً فهو على الأغلب في خزائن وملفات الأجهزة الأمنية وهي الأخرى غير معنية بالترتيب والتأريخ لتطور الظاهرة؛ لأنها ببساطة معنية – كمعظم الأجهزة الاستخبارية العالمية – بملفات قضايا محددة والعمل عليها حتى إغلاقها.
ومن المخيب ِللآمال أن هناك نفوراً عجيباً في العالم العربي من استخدام المناهج العلمية والتجريبية في مقاربات العلوم الإنسانية في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع، ودعم مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجامعات ومراكز البحث والدراسات التي تهتم بهذه المناهج. وهذا سلوك ٌ أحسبه مرتبطاً بالمنظومة المعرفية الجامدة لنا كعرب، ولا علاقة له بالصراع الديناميكي بين العلم التجريبي والعلوم الإنسانية الذي ما يزال محتدما في المنظومة المعرفية الغربية. هذه المنظومة الكسولة من «المعرفة العربية» تم التواطؤ عليها بين النخب العلمية المؤهلة والقادرة على البحث والسلطة في كافة الدول العربية بهدف توطين وترسيخ الواقع وتسهيل عملية تزييفه وإعادة تشكيله عند الحاجة حتى يبقى كل شيء في حالة سيولة معرفية؛ خاضع للتخمينات والانطباعات الشخصية والجدل العقيم.
ولأن عالمنا العربي؛ ومعه الإسلامي بات المُنتج والمُصدر الأول في العالم لخام ومعدن الإرهاب العالمي من مناجم التطرف الديني المنتشرة الآن في كل مكان تقريباً، تبدو الحاجة ملحة جداً لبناء مؤشر شامل للإرهاب، ليكون عونا ً للباحثين والدارسين والأكاديميين وصناع لقرار في الدول العربية والإسلامية والعالم أجمع في دراسته، وبناء الخطط ولاستراتيجيات للتعامل معه بمنهجية علمية بعيداً عن الانطباعات الشخصية.
وفي هذا المجال أرجو أن أشير هنا إلى تجربتي ومحاولتي الشخصية عندما قمت عام 2007 خلال إعدادي لأطروحة الماجستير في جامعة اليرموك – الأردن عام ببناء وصياغة ما أطلقت عليه اسم (مؤشرات الإرهاب البديلة -S) التي تتكون من (26) مؤشرا فرعياً، ثم طورتها لاحقاً في أطروحة الدكتوراه عام 2010؛ قبل أن أنشرها في كتابي (العولمة والإرهاب: عالم مسطح أم وديان عميقة؟) عام 2011. وأزعمُ أن هذه هي المؤشرات الوحيدة –على الأقل عربيا ً- الموجودة التي عالجت ظاهرة الإرهاب العالمي من منظور (كلانّي) وربطت بين أثر التكنولوجيا المتطورة والأبعاد الاجتماعية والسيكولوجية للإرهاب والمنفذين للعمل الإرهابي وتأثيرات سيرورة العولمة.
وأرجو أن أكد أنه لا بد من تظافر جميع الجهود الحكومية الرسمية وتحديداً الأجهزة الاستخبارية والأمنية التي تعد بنوك معلومات عن الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتعاون مؤسسات المجتمع المدني خاصة مراكز البحث والجامعات والمعاهد لبذل الجهد وتوفير الدعم المادي والمعنوي للباحثين للإسراع في انجاز هذا المشروع البحثي الطموح. لأنه من دون وجود هذه المؤشرات ستبقى جميع دراساتنا ومقارباتنا وخططنا لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني واتجاهات الحالة الدينية، ونقد الخطاب الحضاري والثقافي للدين وأشكال التدين مجرد رجم بالغيب.
*عن منتدى فكرة ـ معهد واشنطن.